الأحد
مارس 2020
عن النواس بن سمعان – رضي الله عنه – عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ” البِّر حسن الخُلق ، والإثم ما حاكَ في نفسِك وكرِهتَ
أنْ يطَّلِع عليه الناس ” . رواه مسلم .
وعن وابصة بن معبد – رضي الله عنه – قال : أتيتُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” جِئتَ تسألُ عن البرِّ ؟ قلت : نعم .
قال : اسْتَفْتِ قلبك ، البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النَّفس واطمأنَّ إليه القلب ،
والإثم ما حاكَ في النَّفس ، وتردَّدَ في الصدر وإنْ أفتاك الناس وأفتوك ” .
وفي هذا الحديث بيَّن – صلى الله عليه وسلم – بعض
علامات الإثم :
الأولى : داخلية وهي شعور المرء بقلق واضطراب في
نفسِه ونفور وبغض له . قال صلى الله عليه وسلم : ” الإثم ما حاكَ في نفسِك
” ومعنى ذلك : تردَّدَ في النفس اضطراباً وقلقاً ونفوراً ، فلم ينشرح له
الصدر ، ولم يطمئنّ له القلب .
وفي رواية وابصة بن معبد قال صلى الله عليه وسلم :
” ما حاكَ في النفس وتردَّد في النفس ” ومعنى ذلك : أي اضطرب منه القلب
ولم يسكن إليه .
الثانية : خارجية قال صلى الله عليه وسلم : ”
وكرهت أنْ يطَّلِع عليه الناس ” . كراهية أهل الفضل مِن الناس علامة الإثم ،
بشرط أن يكون دافع كراهيته ديني لا كراهية عادية .
وإذا اجتمع عند الفعل كراهية نظر الناس مع القلق
والاضطراب النفسي وعدم اطمئنان القلب ، كان هذا مِن أوضح مرتب معرفة الإثم – خاصة
عند الاشتباه – . ” وإنْ أفتاك الناس وأفتوك ” ! كيف إذا كان هناك حديث
واضح ! كيف إذا كان هناك حديث صريح ! يأتينا من يقول فيه برأيه الضَّال ! ثم نجد
مِنْ أهل القلوب الزائغة مَنْ يتمسك برأيه مع تفاهته !
ولقد كثُر في هذا الزمان مُتتبِّعي الرُّخص ! فما
أنْ يسمعوا بِزلَّةِ عالمٍ قصداً أو بغير قصد إلا ويحتجُّوا بها ! مهما كان هذا
العالم وإنْ كان صغيراً أو مُنحرِفاً – نسأل الله العافية – ! وكأنَّ هذا الفعل
يجوز لهم ! لا .. بل واللهِ لا يجوز بل يحرُم الأخذ برخص العلماء الكِبار فضلاً عن
المُتطفِّلين على العلم !!
( ولقد صاح بهذا الضَّرْب جُلَّة من العلماء ،
وأبانوا أنَّ منازل العبودية الأخذ بالعزائم والرُّخص الشرعية ، أما المُفتَعَلَة
فهي عن الشرع بمعزل عن عزائمه ورخصه .
وهذا من منازل العبودية ، أما تتبُّع رخص المذاهب
وشاذ العلم فهو من نواقضها .
قال الشيخ الهروي – رحمه الله – في منزلة الرغبة من
منازل العبودية : ” وتَمنَعُ أصحابها مِن الرجوع إلى غثاثة الرُّخص ” .
قال ابن القيم شارحاً لذلك : ” أهل العزائم بِناء أمرهم على الجدِّ والصِّدق
، فالسُّكون منهم إلى الرُّخص رجوعٌ وبطَالةٌ ” .
وقال أيضاً رحمه الله : ” ثم الخلاف قد يكون ضعيفاً ، فيتولَّد مِن ذلك
القول الضعيف – الذي هو خطأ مِن بعض المجتهدين – وهذا الظن الفاسد – الذي هو خطأ
مِن بعض الجاهلين – تبديلُ الدِّين ، وطاعة الشيطان ، ومعصية ربِّ العالمين . فإذا
انضافت الأقوال الباطلةُ إلى الظنون الكاذبة ، وأعانتْها الأهواء الغالبة ، فلا
تسألْ عن تبديل الدِّين والخروج عن جملة الشرائع بالكُليَّة ” .
فيحرُم تلقُّط الرُّخص والتَّلفيق بين المذاهب بلا
دليل شرعي .
قال سليمان التيمي : لو أخذتَ برخصةِ كلِّ عالمٍ ،
اجتمع فيك الشَّرُّ كلُّه .
وقال ابن عبد البر : هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً
.
وقال معمر بن راشد : لو أنَّ رجلاً أخذ بقول أهل
المدينة في السَّماع وإتيان النساء في أدبارهن ، وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ،
وبقول أهل الكوفة في المُسْكِر ؛ كان أشرُّ عباد الله .
وقال الإمام أحمد : لو أنَّ رجلاً عمل بقول أهل
الكوفة في النَّبيذ ، وأهل المدينة في السَّماع ، وأهل مكة في المُتعة ؛ كان
فاسِقاً .
وقال الأوزاعي : مَن أخذ بنوادر العلماء ، خرج مِن الإسلام .
لماذا يخرج من الإسلام ؟ لأنه بتتبع رخص العلماء يستحِلّ ما حرم الله ، واستحلال ما حرم الله كفر .
وقال القاضي إسماعيل : دخلتُ يوماً على المعتضد
فدفع إليَّ كتاباً فقرأته ، فإذا فيه الرُّخص مِن زلل العلماء قد جمعها بعض الناس
، فقلتُ : يا أمير المؤمنين ! إنما جَمَعَ هذا زنديقٌ . فقال : كيف ؟ فقلت : إنَّ
مَن أباح المُتعة لَمْ يُبِحِ الغناء ، ومَن أباح الغناء لَمْ يُبِح إضافته إلى
آلات اللهو ، ومَنْ جَمَعَ زَلَلَ العلماء ثم أخذَ بها ، ذهبَ دِينُه . فأمَرَ
بتحريق الكتاب ) .
ذهب العلماء إلى عدم جواز تتبُّع الرُّخص ، ومن فعل ذلك فأثمه عظيم وذنبه جسيم ، فاختر لنفسك ما شئت ! وليس بعد كلامهم السابق ما يحتاج إلى زيادة كلام !
- – انظر :
- قواعد وفوائد
من الأربعين النووية : ناظم سلطان .
- صلاح الأمة في
علو الهمة : سيد عفاني ، وأحال إلى رسالة : زجر السفهاء عن تتبُّع رُخَص الفقهاء ؛
لجاسم الدوسري .
اترك تعليقاً