عن النواس بن سمعان – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” البِّر حسن الخُلق ، والإثم ما حاكَ في نفسِك وكرِهتَ أنْ يطَّلِع عليه الناس ” . رواه مسلم .
وعن وابصة بن معبد – رضي الله عنه – قال : أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” جِئتَ تسألُ عن البرِّ ؟ قلت : نعم . قال : اسْتَفْتِ قلبك ، البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النَّفس واطمأنَّ إليه القلب ، والإثم ما حاكَ في النَّفس ، وتردَّدَ في الصدر وإنْ أفتاك الناس وأفتوك ” .
وفي هذا الحديث بيَّن – صلى الله عليه وسلم – بعض علامات الإثم :
الأولى : داخلية وهي شعور المرء بقلق واضطراب في نفسِه ونفور وبغض له . قال صلى الله عليه وسلم : ” الإثم ما حاكَ في نفسِك ” ومعنى ذلك : تردَّدَ في النفس اضطراباً وقلقاً ونفوراً ، فلم ينشرح له الصدر ، ولم يطمئنّ له القلب .
وفي رواية وابصة بن معبد قال صلى الله عليه وسلم : ” ما حاكَ في النفس وتردَّد في النفس ” ومعنى ذلك : أي اضطرب منه القلب ولم يسكن إليه .
الثانية : خارجية قال صلى الله عليه وسلم : ” وكرهت أنْ يطَّلِع عليه الناس ” . كراهية أهل الفضل مِن الناس علامة الإثم ، بشرط أن يكون دافع كراهيته ديني لا كراهية عادية .
وإذا اجتمع عند الفعل كراهية نظر الناس مع القلق والاضطراب النفسي وعدم اطمئنان القلب ، كان هذا مِن أوضح مرتب معرفة الإثم – خاصة عند الاشتباه – . ” وإنْ أفتاك الناس وأفتوك ” ! كيف إذا كان هناك حديث واضح ! كيف إذا كان هناك حديث صريح ! يأتينا من يقول فيه برأيه الضَّال ! ثم نجد مِنْ أهل القلوب الزائغة مَنْ يتمسك برأيه مع تفاهته !
ولقد كثُر في هذا الزمان مُتتبِّعي الرُّخص ! فما أنْ يسمعوا بِزلَّةِ عالمٍ قصداً أو بغير قصد إلا ويحتجُّوا بها ! مهما كان هذا العالم وإنْ كان صغيراً أو مُنحرِفاً – نسأل الله العافية – ! وكأنَّ هذا الفعل يجوز لهم ! لا .. بل واللهِ لا يجوز بل يحرُم الأخذ برخص العلماء الكِبار فضلاً عن المُتطفِّلين على العلم !!
( ولقد صاح بهذا الضَّرْب جُلَّة من العلماء ، وأبانوا أنَّ منازل العبودية الأخذ بالعزائم والرُّخص الشرعية ، أما المُفتَعَلَة فهي عن الشرع بمعزل عن عزائمه ورخصه .
وهذا من منازل العبودية ، أما تتبُّع رخص المذاهب وشاذ العلم فهو من نواقضها .
قال الشيخ الهروي – رحمه الله – في منزلة الرغبة من منازل العبودية : ” وتَمنَعُ أصحابها مِن الرجوع إلى غثاثة الرُّخص ” . قال ابن القيم شارحاً لذلك : ” أهل العزائم بِناء أمرهم على الجدِّ والصِّدق ، فالسُّكون منهم إلى الرُّخص رجوعٌ وبطَالةٌ ” .
وقال أيضاً رحمه الله : ” ثم الخلاف قد يكون ضعيفاً ، فيتولَّد مِن ذلك القول الضعيف – الذي هو خطأ مِن بعض المجتهدين – وهذا الظن الفاسد – الذي هو خطأ مِن بعض الجاهلين – تبديلُ الدِّين ، وطاعة الشيطان ، ومعصية ربِّ العالمين . فإذا انضافت الأقوال الباطلةُ إلى الظنون الكاذبة ، وأعانتْها الأهواء الغالبة ، فلا تسألْ عن تبديل الدِّين والخروج عن جملة الشرائع بالكُليَّة ” .
فيحرُم تلقُّط الرُّخص والتَّلفيق بين المذاهب بلا دليل شرعي .
قال سليمان التيمي : لو أخذتَ برخصةِ كلِّ عالمٍ ، اجتمع فيك الشَّرُّ كلُّه .
وقال ابن عبد البر : هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً .
وقال معمر بن راشد : لو أنَّ رجلاً أخذ بقول أهل المدينة في السَّماع وإتيان النساء في أدبارهن ، وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ، وبقول أهل الكوفة في المُسْكِر ؛ كان أشرُّ عباد الله .
وقال الإمام أحمد : لو أنَّ رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النَّبيذ ، وأهل المدينة في السَّماع ، وأهل مكة في المُتعة ؛ كان فاسِقاً .
وقال الأوزاعي : مَن أخذ بنوادر العلماء ، خرج مِن الإسلام .
لماذا يخرج من الإسلام ؟ لأنه بتتبع رخص العلماء يستحِلّ ما حرم الله ، واستحلال ما حرم الله كفر .
وقال القاضي إسماعيل : دخلتُ يوماً على المعتضد فدفع إليَّ كتاباً فقرأته ، فإذا فيه الرُّخص مِن زلل العلماء قد جمعها بعض الناس ، فقلتُ : يا أمير المؤمنين ! إنما جَمَعَ هذا زنديقٌ . فقال : كيف ؟ فقلت : إنَّ مَن أباح المُتعة لَمْ يُبِحِ الغناء ، ومَن أباح الغناء لَمْ يُبِح إضافته إلى آلات اللهو ، ومَنْ جَمَعَ زَلَلَ العلماء ثم أخذَ بها ، ذهبَ دِينُه . فأمَرَ بتحريق الكتاب ) .
ذهب العلماء إلى عدم جواز تتبُّع الرُّخص ، ومن فعل ذلك فأثمه عظيم وذنبه جسيم ، فاختر لنفسك ما شئت ! وليس بعد كلامهم السابق ما يحتاج إلى زيادة كلام !
اترك تعليقاً