حديثنا هذه المرَّة أيضاً عن إمام من أئمة الحديث ، عن الإمام مسلم ، الذي أجمع المسلمون على جلالته وإمامته وعلو مرتبته ، فلنأخذ عن سيرته شيئاً يسيراً .
هو الإمام أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري – من بني قشير قبيلة من العرب معروفة – النيسابوري ، صاحب التصانيف .
مولده :
ولد سنة 206 هــ .
نشأته :
نشأ في بيتِ جاهٍ ومكانةٍ وعلمٍ ، فقد كان أبوه فيمن يتصدرون حلقات العلم ، قال محمد بن عبد الوهاب الفراء : ” كان أبوه الحجاج من المشيخة ” .
طلبه العلم :
اتجه إلى العلم وهو صغير ، وكان أول سماع له سنة 218 هــ ، وعمره آنذاك 12 سنة ! فسمع وتلقى العلم من شيوخ بلدته ، ثم رحل وعمره 14 سنة ! وطاف البلدان في طلب العلم وتحصيله إلى العراق والشام ومصر والحجاز ، مكث قرابة خمسة عشر عاماًَ في طلب العلم ، لقي فيها عدداً كبيراً من الشيوخ ، فعاد وقد نال علماً غزيراً متضلِّعاً في علوم الكتاب والسنة .
شيوخه :
تلقى الإمام مسلم عن شيوخٍ أجلاء ، ومحدِّثين نبهاء ، منهم : محمد بن إسماعيل البخاري ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وقتيبة بن سعيد ، وإسحاق بن راهويه ، ويحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، وسعيد بن منصور ، ومحمد بن مسلم الزهري .. وغيرهم .
تلاميذه :
تخرَّج على يديه أئمة منهم : أبو عيسى الترمذي ، ومحمد بن مخلد ، وإبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الزاهد وهو راوية صحيح مسلم ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ، وأبو حاتم الرازي .. وغيرهم .
صفاته وأخلاقه :
كان – رحمه الله – يتَّسِم بالورع والعبادة والعلم الواسع والاحتياط لدينه ، لذلك عظم في أعين الناس وعلت منزلته وسمت مكانته . وكان كثير الإحسان والكرم حتى سمَّاه الذهبي بــ ” محسن نيسابور ” ، وقال عنه عبد العزيز الدهلوي في بستان المُحدِّثين : ” إنه ما اغتاب أحداً في حياته ! ولا ضرب ولا شتم ” .
مهنته :
كان يعمل في التجارة ، وكان يُحدِّث الناس في متجره ، يقول الحاكم النيسابوري : ” قال أبي : رأيت مسلم بن الحجاج يُحدِّث بخان محمش ” .
ثناء العلماء عليه :
قال أحمد بن سلمة : ” رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يُقدِّمان مسلم بن الحجاج على مشايخ عصرهما ” .
وقال شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء : ” كان مسلم من علماء الناس ، وما علمته إلَّا خيِّراً ” .
وقال ابن الأخرم : ” إنما أخرجت مدينتنا هذه من رجال الحديث ثلاثة : محمد بن يحيى ، وإبراهيم بن أبي طالب ، ومسلماً ” .
وقال بندار : ” الحفّاظ أربعة : أبو زرعة ، ومحمد بن إسماعيل – البخاري – ، والدارمي ، ومسلم ” .
وقال النووي : ” وأجمعوا على جلالته وإمامته وورعه وحذقه في هذه الصنعة وتقدمه فيها ” .
مؤلفاته :
له مؤلفات أشهرها الصحيح ، المعروف بصحيح مسلم الذي تلقته الأمة بالقبول والتسليم ، وهو أصح كتاب بعد كتاب الله العزيز وبعد صحيح البخاري ، وفضله العلماء على صحيح البخاري من حيث جودة السياق وحسن التنسيق لا إلى الأصحية فإن البخاري أصح .
ولهذ اهتم به العلماء غاية الإهتمام فوضعوا عليه اثني عشر مستخرجاً وحده عدا مشاركته للبخاري ! وآخرون اعتنوا برجاله ، وآخرون اهتموا بشرحه ، وممن شرحه الإمام النووي وسمى شرحه ” المنهاج ” وهو أفضل شروحه ، وآخرون اختصروه ، كل ذلك يدل على عظمة هذا الكتاب ومكانته في نفوس المسلمين .
وفاته:
توفي – رحمه الله – سنة 261 هــ وعمره خمسٍ وخمسون سنة . ( 1 )
( 1 ) – انظر : بين الإمامين مسلم والدار قطني ؛ ربيع مدخلي ( ص : 11 / 16 ) .
اترك تعليقاً