سعيد بن جبير وقصة مقتله من الحجاج

الجمعة
أغسطس 2018

قال ابن الجوزي : كان سعيد بن جبير فيمن خرج على الحجاج من القُرَّاء ، وشهد دير الجماجم ، فلما انهزم أصحاب الأشعث هرب فلحق بمكة فأخذه بعد مدة طويلة خالد بن عبد الله القسري ، وكان والي الوليد بن عبد الملك على مكة ، فبعث به إلى الحجاج .

عن أبي حصين قال : أتيت سعيد بن جبير بمكة فقلت : إن هذا الرجل قادم – يعني خالد بن عبد الله – ولا آمنه عليك ، فأطعني واخرج . فقال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله . قلت : والله إني لأراك كما سمتك امك سعيداً . قال : فقدم مكة فأرسل إليه فأخذه فأخبرني يزيد بن عبد الله قال : أتينا سعيد بن جبير حين جيء به فإذا هو طيب النفس ، وبنيه في حجره ، فنظرت إلى القيد فبكت فشيعناه إلى باب الجسر ، فقال له الحرس : أعطنا كفلاء فإنا نخاف أن تغرق نفسك . قال يزيد : فكنت فيمن كفل به . عن داود بن أبي هند قال : لما أخذ الحجاج سعيد بن جبير قال : ما أراني إلا مقتولاً ، وسأخبركم أني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء ، ثم سألنا الشهادة فكلا صاحبي رُزقها وأنا انتظرها . فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء . عن عمر بن سعيد قال : دعا سعيد بن جبير ابنه حين دُعي ليقتل فجعل ابنه يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ ما بقاء أبيك بعد سبعٍ وخمسين سنة . عن الحسن قال : لما أتى الحجاج بسعيد بن جبير قال : أنت الشقي بن كُسير ؟ قال : بل أنا سعيد بن جبير . قال : بل أنت الشقي بن كسير . قال : كانت أمي أعرف باسمي منك . قال : ما تقول في محمد ؟ قال : تعني النبي صلى الله عليه وسلم . قال : نعم . قال : سيد ولد آدم ، المصطفى ، خير من بقي وخير من مضى . قال : فما تقول في أبي بكر الصديق ؟ قال : الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مضى حميداً وعاش سعيداً ، ومضى على منهاج نبيه صلى الله عليه وسلم لم يغير ولم يبدل . قال : فما تقول في عمر ؟ قال : عمر الفاروق خيرة الله وخيرة رسول الله ، مضى حميداً على منهاج صاحبيه لم يغير ولم يبدل . قال : فما تقول في عثمان ؟ قال : المقتول ظلماً ، المجهز جيش العسرة ، الحافر بئر رومة ، المشتري بيته في الجنة ، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه ، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من السماء . قال : فما تقول في علي ؟ قال : ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من أسلم ، وزوج فاطمة وأبو الحسن والحسين . قال : فما تقول في ؟ قال : أنت أعلم بنفسك . قال : بُثّ بعلمك . قال : إذاً نسوءك ولا نسرك . قال : بث بعلمك . قال : أعفني . قال : لا عفا الله عني إن أعفيتك . قال : إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله ، ترى من نفسك أموراً تريد بها الهيبة وهي التي تقحمك الهلاك ، وسترد غداً فتعلم ، ظهر منك جور في حد الله ، وجرأة على معاصيه بقتلك أولياء الله . قال : أما والله لأقتلنك قتله لم أقتلها أحداً قبلك ولا أقتلها أحداً بعدك . قال : إذاً تفسد عليّ دنياي وأُفسد عليك آخرتك . قال : يا غلام السيف والنطع . فلما ولى ضحك . قال : قد بلغني أنك لم تضحك ؟ قال : قد كان ذلك ، قال : فما أضحكك عند القتل ؟ قال : من جرأتك على الله عز وجل ومن حلم الله عنك . قال : يا غلام اقتله . فاستقبل سعيد بن جبير القبلة فقال : { وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً } مسلماً { وما أنا من المشركين } . فصرف وجهه عن القبلة فقال : { فأينما تولوا فثم وجه الله } . قال : اضرب به الأرض . قال : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى } . قال : اذبح عدو الله فما أنزعه لآيات القرآن منذ اليوم .

قال ابن ذكوان : إن الحجاج بن يوسف بعث إلى سعيد بن جبير فأصابه الرسول بمكة فلما سار به ثلاثة أيام رآه يصوم نهاره ويقوم ليله ، فقال الرسول : والله إني لأعلم أني ذاهب بك إلى من يقتلك فاذهب إلى أي طريق شئت . فقال له سعيد : إنه سيبلغ الحجاج أنك أخذتني ، فإن خلَّيت عني خفت أن يقتلك ، ولكن اذهب بي إليه . فلما أتاه به قتله .. فبلغ ذلك الحسن البصري فقال : اللهم يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج ، فما بقي إلا ثلاثاً حتى وقع في جوفه الدود فمات .

عن يحيى بن سعيد ، عن كاتب الحجاج يُقال له يعلى ، قال : كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذٍ غلام حديث السنّ ، فدخلت عليه يوماً بعدما قتل سعيد بن جبير – المُحدِّث الفقيه – وهو في قبة لها أربعة أبواب ، فدخلت مما يلي ظهره فسمعته يقول : ما لي ولسعيد بن جبير .. ما لي ولسعيد بن جبير ، كلما أردت النوم أخذ برجلي .

قال تعالى : { ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } . انتبه أن تظلم أحداً ! انتبه أكثر أن يكون من ظلمته ضعيفاً ، أو من أهل الخير والصلاح ، أو من العلماء ..! فالذنب أعظم والعقوبة أشد ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.