عن علي بن عثام بن علي قال : سمعت سفيان الثوري يقول : ” لقد خفت الله خوفاً عجباً لي كيف لا أموت ، لكن لي أجل أنا بالغة ، ولقد خفت الله خوفاً وددت أنه خُفّف عني منه ، أخاف بسببه أن يذهب عقلي ! ” .
وقال : ” إني لأضع يدي على رأسي من الليل إذا سمعت صيحة فأقول : قد جاءنا العذاب ” .
وقال أبو يزيد محمد بن حسان : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : ما عاشرت في الناس رجلاً أرقّ من سفيان ، وكنت أرمقه الليلة بعد الليلة فما كان ينام إلا أول الليل ثم ينتفض فزعاً مرعوباً ينادي : النار النار ، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ، ثم يتوضأ ويقول على إثر وضوئه : اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم ، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار . إلهي إن الجزع أرّقني وذلك من نعمك السابغة عليّ . إلهي لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين ، ثم يقبل على صلاته ، وكان البكاء يمنعه من القراءة حتى إن كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرت بكائه .
وقال يوسف بن أسباط : كان سفيان الثوري إذا أخذ في الفكر بال الدم .
وعن علي بن حمزة ابن أخت سفيان قال : ذهبت ببول سفيان إلى الديراني وكان لا يخرج من باب الدير فأريته فقال : ليس هذا بول حنفي . قلت : بلى والله من أفضلهم . فقال : أنا أجيء معك . فقلت لسفيان : قد جاء بنفسه . فقال : أدخله . فأدخلته فمسّ وجسّ عِرقه ثم خرج . فقلت : أيّ شيءٍ رأيت ؟
قال : ما ظننت أن في الحنيفية مثل هذا ، هذا رجل قد قطع الحزن كبده .
وعن ابن أبجر قال : لما حضرت سفيان الوفاة قال : يا ابن أبجر قد نزل بي ما قد ترى فانظر من يحضرني . فأتيته بقوم فيهم حماد بن سلمة ، وكان حماد من أقربهم إلى رأسه . قال : فتنفّسَ سفيان ، فقال له حماد : أبشر فقد نجوت ممّا كنت تخاف ، وتُقْدِم على ربٍّ كريم .
قال : فقال : يا أبا سلمة أترى الله أن يغفر لمثلي ؟
قال : إي والله الذي لا إله إلا هو .
قال ابن أبجر : فكأنما سُرِّيَ عنه .
فهذ سفيان العالم العابد ، الورع الزاهد . الذي ملأ قلبه الخوف من الله .. وهذا حاله في الدنيا ! فكيف حاله في الآخرة ..! اسمع إلى هذه القصة التي يرويها عبد الرحمن بن مهدي ، يقول :
رأيت سفيان الثوري في المنام فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : لم يكن إلا أن وضعت في اللحد حتى وقفت بين يدي الله عز وجل فحاسبني حساباً يسيراً ثم أمر بي إلى الجنة ، فبينا أدور بين أشجارها وأنهارها ولا أسمع حسّاً ولا حركة ، إذ سمعت قائلاً يقول : سفيان بن سعيد ! قال : تحفظ أنك آثرت الله على هواك يوماً ، قلت : إي والله فأخذتني صواني النثار من جميع الجنة .
إخواني في الله ! فما جزاء الخوف من الله ، أمَّا ثمرته فمعلومة للجميع منها الهمة والنشاط في العبادة ، والإنزجار عن المعصية .. أمَّا جزاؤه فاسمعه :
قال الله عز وجل في الحديث القدسي : ” وعزَّتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، فإن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ” .
وقال صلى الله عليه وسلم : ” من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة ” . رواه الترمذي بإسناد حسن .
اترك تعليقاً