أحاديث حسن الخلق

الخميس
يونيو 2018

رغم أن مهارات الاتصال والتعامل مع الآخرين كثيرة ومتعددة ومتشعبة ، إلا أن هناك مهارة كبرى ، وأصل أصيل ، وقاعدة تبنى عليها قواعد التعامل الأخرى ، هذه القاعدة هي ” حسن الخلق ” .

فلا نجاح ولا توفيق في التعامل مع الآخرين بدون هذا الأصل المتين ، ولذلك بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة الجليلة حينما قال لأبي ذر رضي الله عنه : ” اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ” .

لقد ركز الإسلام على هذه القاعدة أيما تركيز ، بل مدح الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة فقال تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } .

وقالت عائشة – رضي الله عنها – : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن ” .

وعن أنس – رضي الله عنه – قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن الخلق ، فتلا قوله تعالى :{ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : ” هو أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمَّن ظلمك ” .

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” .

وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق ” .

وقال الفضيل : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فلانة تصوم النهار ، وتقوم الليل ، وهي سيئة الخلق ، تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : ” لا خير فيها ، هي في النار ” .

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله : ” أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ” .

وعنه – رضي الله عنه – قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال : ” تقوى الله وحسن الخلق ” وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ، فقال : ” الفم والفرج ” .

وعن عائشة – رضي الله عنها – ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ” .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق ” .

وعن أسامة بن شريك قال : شهدت الأعاريب يسألون النبي صلى عليه وسلم يقولون : ما خير ما أُعطي العبد ؟ قال : ” خلق حسن ” .

وقال صلى الله عليه وسلم : ” إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ” . وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في افتتاح الصلاة : ” اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت ” .

وقال أنس – رضي الله عنه – قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل ، وإنه لضعيف في العبادة ” .

وقال الفضيل : ” لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إليَّ من أن يصحبني عابد سيء الخلق ” .

وصاحب ابن المبارك رجلاً سيء الخلق في سفر ، فكان يحتمل منه ويداريه ، فلما فارقه بكى ، فقيل له في ذلك فقال : ” بكيته رحمة له ، فارقته وخلقه معه لم يفارقه ” .

وقال الجنيد : ” أربع ترفع العبد إلى أعلى الدرجات ، وإن قلَّ عمله وعلمه : الحلم ، التواضع ، السخاء ، حسن الخلق وهو كمال الإيمان ” .

وقال الكناني : ” التصوّف – أي التعبد – خلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف ” – أي في العبادة ! – .

وقال يحيى بن معاذ : ” سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات ، وحسن الخلق حسنة لا تضرّ معها كثرة السيئات ” .

وقال ابن عباس – رضي الله عنه – : ” لكل بنيان أساس ، وأساس الإسلام حسن الخلق ” .

وقال عطاء : ” ما ارتفع من ارتفع إلا بالخلق الحسن ، ولم ينل أحد كماله إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم ” .

وقال ابن القيم – رحمه الله – : ” جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق ، لأن تقوى الله تُصْلح ما بين العبد وبين ربه ، وحسن الخلق يُصْلح ما بينه وبين خلقه ، فتقوى الله توجب له محبة الله ، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته ” .

وقال الغزالي – رحمه الله – : ” المحبة والألفة ثمرة حسن الخلق ، والبغض والتفرقة ثمرة سوء الخلق ” .

فمن حسنت أخلاقه طابت حياته ، ونال محبة الناس ، ومعلوم أن الإنسان عندما يعيش بين ظهراني أناسٍ يحبونه يشعر بسعادة عظيمة وانشراح صدر .. فما هي علامات حسن الخلق ؟

قال ابن المبارك – رحمه الله – : ” كفّ الأذى ، وبذل الندى ، وطلاقة الوجه ” .

وجمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال : ” هو أن يكون كثير الحياء ، قليل الأذى ، كثير الإصلاح ، صدوق اللسان ، قليل الكلام ، كثير العمل ، قليل الزلل ، قليل الفضول ، براً وصولاً ، وقوراً صبوراً ، شكوراً رضياً ، حليماً رفيقاً ، عفيفاً شفيقاً ، لا لعاناً ولا سباباً ، ولا نماماً ولا مغتاباً ، ولا عجولاً ، ولا حقوداً ، ولا بخيلاً ولا حسوداً ، بشاشاً هشاشاً ، يحب في الله ، ويبغض في الله ، ويرضى في الله ، ويغضب في الله ، فهذا هو حسن الخلق ” (1) .

 

قد يقول البعض أنا أخلاقي سيئة فهل أستطيع الخلاص منها ؟ وقد يقول أنَّ هذا الأمر نشأت عليه ودرجت عليه منذ الصغر فهل من حل ؟

نقول نعم ، واسمع إلى ما قاله الشيخ محمد موسى الشريف في كتاب ( جدد حياتك ) ، تحت عنوان ( التجديد الأخلاقي ) ، قال :

” وهذا – أيّ التجديد الأخلاقي – مطلوباً أيضاً ، وهو تجديد محمود ؛ خاصةً لمن ساءت أخلاقه ، أو قلَّ احتماله ، أو كان في طباعه شيء ، فما أجمل أن يعود المرء من جديد ليُغالِب نفسه ، ويُجاهد طبعه ، ويقهر مألوفاته ، وهو نوع من التجديد محسوس مؤثر ، ممكن إلى حدٍّ كبير ؛ وذلك أنَّ أكثر الناس يظن أنه لا يستطيع تغيير ما ألفه ودرج واكتهل عليه ، وهذا صحيح ، لكن لمن لم يجهد في التغيير ، ولم يشتدّ في المُغالبة ، وانظر إلى وصف الإمام الذهبي الإمام الغزالي – رحمهما الله تعالى – ؛ حيث ذكر أنَّ الغزاليّ تغيَّر خُلقه إلى الأفضل والأحسن بعد المغالبة والمجاهدة ، فقال : ” عظُمَ جاه الرجل ، وازدادت حشمته ، بحيث إنه في دَسْت أمير – أيّ منصب أمير – ، وفي رتبة رئيس كبير ! فأدَّاه نظره في العلوم وممارسته لأفانين الزّهديات إلى رفض الرئاسة ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتَّألّه والإخلاص وإصلاح النفس ، فحج من وقته ، وزار بيت المقدس .. وأقام مدّة ، وألَّف كتابه ” الإحياء ” ، وراضَ نفسه وجاهدها ، وطرد شيطان الرّعونة ، ولبس زيّ الأتقياء ، ثم بعد سنوات سار إلى وطنه ، لازماً لسننه ، حافظاً لوقته ، مُكِبّاً على العلم ” ، ثم ذكر الإمام الذهبي – رحمه الله – قول أحد العلماء المعاصرين له ، حيث قال : ” لقد زرته مِراراً ، وما كنت أحْدُسُ – أيّ أظن – في نفسي مع ما عهدت عليه من الزَّعارة – أيّ الشراسة وسوء الخُلق – ، والنظر إلى الناس بعين الاستخفاف ؛ كِبراً وخيلاء واعتزازاً بما رُزِق من البسطة والنّطق والذهن ! أنه صار على الضّدِّ ، وتصفَّى من تلك الكدرات ، وكنت أظنه مُتلفّعاً بجلباب التكلف ، مُتَنَمِّساً – أيّ مُخادِعاً – بما صار إليه ، فتحقّقتُ بعد السَّبْر والتَّنقير – أيّ بعد البحث والتفتيش – أنَّ الأمر على خلاف المظنون ، وأنَّ الرجل أفاق بعد الجنون ” !!

فهذا الإمام الغزالي كان يُعاني مِمَّا يُعاني منه كثير من طلبة العلم والمشايخ والدعاة والفضلاء اليوم – فضلاً عن غيرهم ! – من ضيق الخُلق ، وشراسة في الطّبع ، وجفاء في المعاملة ، وذَرَب في اللسان ، ولكنه – رحمه الله – راضَ نفسه وجاهدها ، وعمل على أن يُغيّر من خُلقه إلى الأحسن والأفضل ؛ فوفقه الله تعالى لذلك ، ورزقه إيّاه ” .

 

(1) – انظر : أمسك عليك هذا ؛ د / علي الحمادي ( ص : 52-56 ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.