التحذير من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم والتنبيه على بعض الأحاديث الموضوعة

الثلاثاء
مايو 2018

فقد ثبت في الصحيحين عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه التحذير من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، والتنبيه على بعض الأحاديث الموضوعة .

فقد ثبت في الصحيحين عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تكذبوا علي فإنه من يكذب علي يلج النار » ، وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » ، وفيها أيضا عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعا: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » وفي صحيحمسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين » ، وقد ضبط قوله: ” يرى ” بالضم والفتح، فعلى الضم يكون معناه يظن وعلى الفتح يكون معناه يعلم، كما نبه عليه النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم.

وهذه الأحاديث تدل على تحريم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وتحريم رواية ما يعلم أو يظن أنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم إلا مع التنبيه عليه، وقد جاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على شدة الوعيد في حق من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن الكذب عليه من الكبائر العظيمة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأكثر من أهل العلم على خلاف ذلك إلا أن يستحله، فإن استحله كفر بالإجماع، وعلى كل تقدير فالكذب عليه صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر لعظم ما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة، وما صاحبه عن الكفر ببعيد، أسأل الله العافية والسلامة.

وقد صرح أهل العلم رحمهم الله تعالى بأنه لا تجوز رواية الحديث الموضوع، إلا مقرونا ببيان حاله، فإن كان ضعيفا وليس بموضوع لم يجز الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، ولكن يروى بصيغة التمريض كـ (يُروى) عن النبي صلى الله عليه وسلم أو يُذكر ونحو ذلك.

وإنما قال ذلك أهل العلم حذرا من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية ما يخشى أنه كذب، وفي هذه الأيام عرض علي بعض طلبة العلم نبذة مشتملة على حديث مطول في الإسراء والمعراج في أربعين صحيفة قد نسبها جامعها إلى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما قرأتها وتدبرت ما فيها تحققت أنها مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ابن عباس وليس فيها من الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلا الشيء اليسير أراد واضعها أن يروج بذلك باطله، وأن يشبه بذلك على ضعفاء البصيرة كالعامة والمنتسبين إلى العلم بدون تحقيق وعناية، وأحاديث الإسراء والمعراج محفوظة بحمد الله تعالى ليس فيها ما يدل على صحة ما افتراه هذا الواضع في هذه النبذة، وكل من تدبرهامن أهل البصيرة والعلم بأسلوب كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه الصحيحة الثابتة في قصة المعراج والإسراء يعلم قطعا أنها موضوعة ليس فيها كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروف إلا الشيء اليسير.

والنبذة المذكورة قد طبعت على نفقة المكتبة العربية ببغداد لصاحبها سلمان نعمان الأعظمي، وإنني لآسف كثيرا لصاحب هذه المكتبة كيف استساغ طبع هذه النبذة وتغرير المسلمين بها، ولم ينبه على بطلان ما فيها؛ طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ونصحا للمسلمين؟ وإنها لمصيبة عظيمة ونكبة كبيرة للمسلمين من هذا وأمثاله ممن ينتسب إلى العلم، ونشره بدون تمحص وعناية، وتمييز بين الغث والسمين والصحيح والسقيم، وما يصلح نشره وما لا يصلح نشره، والواجب على المتصدي لنشر العلم من أهل المكاتب وغيرهم التحري والتثبت والحذر من نشر ما يضر المسلمين من حيث يظن أنه ينفعهم.

وقد عمت البلوى بنشر الكتب والصحف المشتملة على الخرافات وأحاديث الموضوعة والمقالات الضارة والصور الفاتنة، فالواجب على أهل العلم التحذير من ذلك وإنكاره والتنبيهعلى ما يعثرون عليه من ذلك؛ ليكون المسلمون على بصيرة، وليسلموا من دسائس أهل الأغراض السيئةالمشغوفين بنشر كل ما يشوه سمعة الإسلام ويصد عن الحق ويقتل الفضيلة ويحيي الرذيلة، كبتهم الله وأعاذ المسلمين من شرهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ثم إني بعد الاطلاع على هذه النبذة رأيت الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه: (الميزان ص230 من المجلد الرابع في ترجمة ميسرة بن عبد ربه الفارسي التراس على أنه الواضع لهذا الحديث: وهذا نص كلامه : (ميسرة بن عبد ربه الفارسي ثم البصري التراس الأكال، قال ابن أبي حاتم: ميسرة بن عبد ربه هو التراس روى عن ليث بن أبي سليم وابن جريج وجماعة، قال محمد بن عيسى الطباع: قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث؟ من قرأ كذا كان له كذا، قال: وضعته أرغب الناس، قال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ويضع الحديث، وهو صاحب حديث فضائل القرآن الطويل ، وقال أبو داود: أقر بوضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال أبو حاتم: كان يفتعل الحديث، روى في فضل قزوين والثغور، وقال أبو زرعة: وضع في فضل قزوين أربعين حديثا وكان يقول: إني أحتسب في ذلك، وقال البخاري: ميسرة بن عبد ربه يرمى بالكذب، وقال داود بن المحبر: ثنا ميسرة بن عبد ربه عن موسى بن عبيدة عن الزهري عن أنس مرفوعا : «من كانت له سجية من عقل وغريزة يقين لم تضره ذنوبه، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنه كلما أخطأ لم يلبث أن يتوب» ، وقال ابن حبان: روى ميسرة بن عبد ربه عن عمر بن سليمان الدمشقي عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا: «لما أسري بي إلى السماء الدنيا رأيت فيها ديكا له زغب أخضر وريش أبيض ورجلاه في التخوم ورأسه عند العرش» ، وذكر حديثا في المعراج نحو عشرين ورقة، رواه حميد بن زنجويه، عن محمد بن أبي خداش الموصلي، عن علي بن قتيبة عن ميسرة بن عبد ربه فذكره ) اهـ. المقصود منه.

وهذا الذي ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة ميسرة المذكور نقلا عن ابن حبان رحمه الله دليل ظاهر على أن ميسرة المذكور هو الواضع لهذا الحديث المطول، عامله الله بما يستحق؛ وبهذا يعلم القراء أن هذه النبذة يتعين إتلافهاوإراحة المسلمين منها؛ لأن وجودها منكر ظاهر تجب إزالته ولوجوب البيان والنصح للمسلمين، حررنا هذه الكلمة في 21 \ 12 \ 1370 هـ.

أملاه الفقير إلى عفو ربه

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

قاضي الخرج .

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.