إنَّ الحلال بيِّن والحرام بيِّن

الأربعاء
سبتمبر 2019

عن أبي عبد الله النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إنَّ الحلال بيِّن وإنَّ الحرام بيِّن ، وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس ، فمن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أنْ يرتع فيه ، ألَا وإنَّ لكل ملكٍ حِمى ، ألا وإنَّ حِمى الله محارمه ، ألا وإنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ” . رواه البخاري ومسلم .

قوله : ” إنَّ الحلال بيِّن وإنَّ الحرام بيِّن ” ؛ يعني واضح يعرفه كل الناس ، فالحلال المحض بيِّن لا شبهة فيه كالزواج وأكل الطيبات واللباس غير المحرم وأشياء ليس لها حصر . وكذلك الحرام المحض بيِّن كالزنا والسرقة وشرب الخمر وما أشبه ذلك .

قال : ” وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس ” ؛ يعني يخفى عليهم حكمها هل هي من الحلال أم من الحرام ، أما العلماء الراسخون ومن وفقه الله فلا تشتبه عليهم ، لأنهم يعرفون حكمها بنص أو قياس ونحوه .

وسبب الاشتباه إما تعارض بين الأدلة ظاهرياً ، كما في بعض قضايا العبادات والمعاملات ، وإما لاختلاف العلماء ، أو لغير ذلك .

قال : ” فمن اتَّقى الشبهات ” ؛ يعني اجتنبها . ” فقد استبرأ لدينه ” هذا فيما بينه وبين الله فسلم من الإثم ، ” وعرضه ” ، فيما بينه وبين الناس . وأضرب لذلك مثالاً ؛ الأخذ من اللحية مع أنه حرام إلا أنا نفرض أنه من المشتبهات ، ولهذا نجد من يأخذ من لحيته متعللاً بأقوال بعض طلاب العلم ! نجد أنَّ الناس يقعون في عرضه ويتكلمون فيه بقولهم : هذا رجلٌ يفعل كذا ويفعل كذا ، وهكذا ..

فينبغي للمؤمن أنْ يبتعد عن الشبهات ، تحرُّزاً من الإثم وطلباً للسلامة لدينه وعرضه من الطعن ، فإن المسلم مطالباً بالحفاظ على سلامة عرضه ، ومن هان عليه كلام الناس في عرضه فهو أحمق أو جاهل ! فليست هذه مِن شيم العقلاء ..

قال : ” ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ” ؛ معناه أنَّ الوقوع في المشتبهات ، ذريعة للوقوع في الحرام وذلك بالتدرج والتسامح ، وهذا يحصل كثيراً ! كم رأينا من أناس وقعوا في المشتبهات شيئاً فشيئاً حتى غرقوا في المحرمات !! فنسأل الله العافية للجميع .

قال : ” كالراعي ” راعي الإبل أو البقر أو الغنم ” يرعى حول الحِمى ” أي حول المكان المحمي ” يوشك أنْ يرتع فيه ” ؛ أي يقرب أنْ يرعى فيه ، ” ألا وإنَّ لكل ملكٍ حِمى ، ألا وإنَّ حِمى الله محارمه ” ؛ يضرب بعض السلاطين حمى لهم ، ويمنعون غيرهم من الوقوع فيه ، وقد يكون بحق أو بغير حق ، فمن رعى بالقرب من هذا الحمى المضروب فإنه لا يأمن أنْ تأكل ماشيته منه ، وبهذا يُعرِّض نفسه للمسؤولية أمام سلاطين الأرض .

وهذا مثل ضربه صلوات الله وسلامه عليه ، لمن يقع في الشبهات فإنه يقرب من الوقوع في الحرام ، وبهذا يُعرِّض نفسه لعقاب ملك الملوك .

قال : ” ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ” ؛ فمتى صلح القلب صلحت الجوارح كلها ، ومتى فسد فسدت الجوارح كلها ، إذاً المدار في الصلاح والفساد على القلب ، فيجب العناية بالقلب أكثر من العناية بعمل الجوارح ، فطهر قلبك من المعاصي ومن الحقد على المسلمين ومن البغضاء وغير ذلك من الأخلاق فإن القلب هو الأصل .

يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – : ( في الحديث ردٌّ على العصاة الذين إذا نهوا عن المعاصي قالوا : التقوى هاهنا وضرب أحدهم على صدره !فاستدل بحق على باطل ، لأن الذي قال : ” التقوى هاهنا ” هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعناه في الحديث : إذا اتَّقى ما هاهنا اتَّقت الجوارح ، لكن هذا يقول : التقوى هاهنا يعني أنه سيعصي الله ، والتقوى تكون في القلب . والجواب عن هذا التشبيه والتلبيس سهل جداً بأن نقول :

لو صلح ما هاهنا ، صلح ما هناك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ” ) . ( 1 ) .

 

( 1 ) – انظر : شرح الأربعين النووية ؛ لابن عثيمين ( ص : 124 وما بعدها ) ؛ وقواعد وفوائد من الأربعين النووية ؛ لناظم سلطان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.