” احرص على ما ينفعك .. “

الخميس
مايو 2019

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإنْ أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل ؛ فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان ” رواه مسلم .

هذا حديثٌ جليل ، اشتمل على توجيهاتٍ وعملٍ فضيل ، وفيه وصايا طيِّبة .

قال : ” المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ” ؛ يعني : في كل واحدٍ من المؤمنين خير ، ولكن المؤمن القويُّ – يعني القويُّ في إيمانه – الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعين على ردع الظالم وعلى نصر المظلوم ويرحم الضعيف ، ويشفع في الخير ويناصر الحق إلى غير هذا من وجوه الخير ، هذا له فضل على المؤمن الضعيف ، المؤمن القوي ؛ يعني : قوي الإيمان ؛ يعني : عنده من النشاط في فعل الخير ما يشمل وجوهاً كثيرة ، هذا أفضل عند الله من المؤمن الضعيف الذي من بيته إلى المسجد فقط ما يشارك في الأشياء الأخرى . ولأن المؤمن القوي في إيمانه تحمله قوةُ إيمانه على أنْ يقوم بما أوجب الله عليه ، وعلى أن يزيد من النوافل ما شاء الله ، والضعيف الإيمان يكون إيمانه ضعيفاً لا يحمله على فعل الواجبات ، وترك المحرمات فيُقصِّر كثيراً .

ثم قال : ” احرص على ما ينفعك ” ، يعني : في دنياك وآخرتك . وما أكثر الذين يُضيِّعون أوقاتهم في غير فائدة ، بل في مضرَّة على أنفسهم وعلى دينهم ، وعلى هذا فيجدر بنا أنْ نقول لمثل هؤلاء :إنكم لم تعملوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ، إما جهلاً منكم وإما تهاوناً ، لكن المؤمن العاقل الحازم هو الذي يقبل هذه النصيحة ، ويحرص على ما ينفعه في دنياه وأخراه .

” واستعن بالله ” ؛ لا تتَّكل على عملك وعلى جهدك بل يستعين ربه ، يقول اللهم أعنِّي ، اللهم يسِّر أمري بعمل .. ويسأل ربه العون والتوفيق ، وهكذا في أمر الآخرة يعمل للآخرة ، يؤدي ما أوجب الله وينتهي عمَّا حرَّم الله يستعين بالله على ذلك .

ثم قال عليه الصلاة والسلام : ” ولا تعجز ” ؛ يعني : إياك والكسل عليك بالجِّد والحزم والنشاط .

” وإنْ أصابك شيءٌ ” ؛ يعني : أخفَقَت الجهود .. حرص ولكن ما تيسَّر له ما طلبه وسعى فيه ، ما ربحت تجارته .. هلك زرعه بآفة .. وهكذا .. لا يجزع بل يقول ” قدَّر الله وما شاء فعل ” ؛ يعني : هذا قدر الله وما شاء فعله ، يصبر ويقول عند المصائب : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها .

ولا يقول : لَوْ ، لَوْ ؛ ” فإنَّ لَوْ تفتح عمل الشيطان ” ؛ لو أني فعلت كذا ، لو أني ما اشتريت من فلان هذا ، ما تنفع ! بل تضرّه .. تفتح عمل الشيطان ؛ يعني وساوسه والحزن والندم والهموم !! فلا تقل هكذا .. الأمر انتهى !! ولا يمكن أنْ يتغيَّر عمَّا وقع ، وهذا أمرٌ مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت .

أما إذا كانت ( لَوْ ) لبيان ما ينبغي كقوله صلى الله عليه وسلم : ” لو استقبلت من أمري ما استدبرت .. ” ، فهذا ليس اعتراضاً بل هو لبيان الأفضل .. وكقول : لو علمت فلاناً مريضاً لزرته ، وما أشبه ذلك فهذا ليس داخلاً في النهي ، وكذلك ( لَوْ ) في تمنِّي الخير جائزة وله ما تمنَّى .. له أجر . الممنوع ( لَوْ) في الاعتراض على القدر

ولهذا قال ” ولكن قل : قدَّر الله ” وما شاء الله عز وجل فعله { إن ربك فعَّالٌ لما يريد } . لا أحد يمنعه أن يفعل في ملكه ما يشاء ما شاء فعل – عز وجل – .

ولكن يجب أنْ نعلم أنه – سبحانه وتعالى – لا يفعل شيئاً إلا لحكمةٍ ، خفيت علينا أو ظهرت لنا ، والدليل على هذا قوله تعالى : { وما تشآءون إلا أنْ يشآء الله إنَّ الله كان عليماً حكيما } ، فبيَّن أنَّ مشيئته مقرونةٌ بالحكمة والعلم، وكم من شيءٍ كره الإنسان وقوعه ، فصار في العاقبة خيراً له ، كما قال تعالى : { وعسى أنْ تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم } ، يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – : ” ولقد جرت حوادثُ كثيرةٌ تدلُّ على هذه الآية ، من ذلك قبل عدَّةِ سنواتٍ أقلعت طائرةٌ من الرياض متجهة لجدة ، وفيها ركابٌ كثيرون يزيدون على ثلاثمائة راكب ، وكان أحد الركاب الذين سجَّلوا في هذه الطائرة في قاعة الانتظار ، فغلبته عيناه حتى نام ، وأُعلن عن إقلاع الطائرة ، وذهب الركاب وركبوا ، فإذا بالرجل يستيقظ بعد أنْ أُغلق الباب ، فندم ندامةً شديدة ، كيف فاتته الطائرة ؟ ثم إنَّ الله قدَّر بحكمته أنْ تحترق الطائرة و ركابها . فسبحان الله ! كيف نجا هذا الرجل ؟! كره أنه فاتته الطائرة ، ولكن كان ذلك خيراً له ” .

فوالله لو سرنا على هدي هذا الحديث لاسترحنا كثيراً . ( 1 ) .

 

( 1 ) – انظر : شرح رياض الصالحين ؛ للشيخ ابن باز ( 1/236-238 ) ؛ وشرح رياض الصالحين ؛ للشيخ ابن عثيمين ( 2/77-84 ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.