وجوب الطهارة لمس المصحف

السبت
ديسمبر 2018

 

عن عبد الله بن أبي بكر – رحمه الله – أنَّ في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : ” أنْ لا يمس القرآن إلَّا طاهر ” . رواه مالك مرسلاً ووصله النسائي وابن حبان .

قال ابن عبد البر : ( وهو كتاب مشهور عند أهل السير ، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفةً تستغني بشهرتها عن الإسناد ، لأنه أشبه التواتر في مجيئه ، لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة ) .

فهو من حيث قبول الناس له – يقول الشيخ ابن عثيمين- ، واستنادهم عليه فيما جاء فيه من أحكام الزكاة والديات وغيرها ، وتلقيهم له بالقبول يدل على أن له أصلاً ، وكثيراً ما يكون قبول الناس للحديث سواء كان في الأمور العلمية أو العملية قائماً مقام السند أو أكثر ، والحديث يُستدل به من زمن التابعين إلى وقتنا هذا ، فكيف نقول : لا أصل له ؟! هذا بعيد جداً .

الحديث صححه بعض أهل العلم ، وهو دليل على أنه يحرم على المحدث سواء حدث أصغر أو حدث أكبر مس المصحف حتى يتطهر  . وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن تحريم مس المصحف للمحدث ثابت عن الصحابة ، وقال : ( إنه قول سلمان الفارسي وعبد الله بن عمر وغيرهما ، ولا يُعلم لهما من الصحابة مخالف ) ، وروي عن الحسن وعطاء وطاووس والشعبي والقاسم بن محمد ، وهو مذهب الأئمة الأربعة . والصحيح من قولي أهل العلم .

ومن أدلة تحريم مس المصحف أيضاً على المحدث قوله تعالى : { لا يمسّه إلَّا المُطهَّرون } .

سئل الشيخ ابن باز – رحمه الله – : ما حكم مس المصحف بدون وضوء ؟

فقال : ( لا يجوز للمسلم مس المصحف وهو على غير وضوء عند جمهور أهل العلم ، وهو الذي عليه الأئمة الأربعة رضي الله عنهم ، وهو الذي كان يفتي به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ورد في ذلك حديث صحيح لا بأس به ، من حديث عمرو بن حزم ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن : ” أن لا يمس المصحف إلا طاهر ” ، وهو حديث جيد له طرق يشد بعضها بعضاً .

وبذلك يعلم أنه لا يجوز مس المصحف للمسلم إلا على طهارة من الحديثين الأكبر والأصغر ) .

وقال في إجابة سؤال آخر ، بعد أن ذكر الحديث السابق ذكره قال : ( والأصل في الطهارة المطلقة في العرف الشرعي : هي الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر ، كما فهم ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يُحفظ عن أحد منهم – فيما نعلم – أنه مس المصحف وهو على غير طهارة ، وهذا هو قول جمهور أهل العلم ، وهو الصواب ) .

 

** فائدة : يحرم من مس المصحف كله بما فيه الجوانب والجلد ، وليس الكتابة فقط ، وذلك لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً . يقول الشيخ ابن عثيمين : ( المراد لا يمس الذي مكتوب فيه القرآن كله ، وعليه فإذا كتب القرآن في وسط الصفحة فجوانبها لا تمس ، أي : لا يمسها المحدث ، وإذا كان على المصحف جلدة مقوَّاه فإنه لا يمسها إن كانت لاصقه به ، أما إذا كانت وعاءً فإنه لا بأس أن يمسها من ليس بمتوضىء ) .

** فائدة أخرى : يقول ابن قدامة في المغني : ( يجوز مس كتب التفسير والفقه وغيرها والرسائل وإنْ كان فيها آيات من القرآن ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر كتاباً فيه آية ، ولأنها لا يقع عليها اسم مصحف ولا تثبت لها حرمته ) .

** فائدة أخرى أيضاً : يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – عن مس الصغار للمصحف : ( الصغير الذي بلغ سن التمييز لا يمس القرآن إلا إذا تطهر ، وهذا ظاهر اللفظ ، وقال بعض العلماء : إنه يُرخص للصغار في مسه عند الحاجة ، فإن الصغار يُعطون شيئاً من القرآن إما باللوح وإما بأوراق خاصة كأجزاء مثل جزأ ( عم ) أو جزأ ( تبارك ) ويشق أن نلزمهم بالوضوء ، ولا شك أنه إذا كان هناك مشقة فلا ينبغي إلزامهم ، لأنَّ من دون البلوغ قد رُفع عنه القلم لكن يؤمرون ولا يلزمون ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.