شرح حديث ولا هامة ولا صفر

السبت
مايو 2018

س : سمعت حديثا عن التشاؤم ، يقول فيما معناه : « ولا هام ولا صفر » أرجو منكم ذكر الحديث كاملا مع شرح الكلمات التي لا أفهمها فيه ؟

ج : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ، ويعجبني الفأل » .

والمعنى : إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية ، من أن الأشياء تعدي بطبعها ، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن هذا الشيء باطل ، وأن المتصرف في الكون هو الله وحده ، فقال بعض الحاضرين له صلى الله عليه وسلم : « يا رسول الله ، الإبل تكون في الصحراء ، كأنها الغزلان ، فيدخل فيها البعير الأجرب فيجربها ، فقال صلى الله عليه وسلم : فمن أعدى الأول » . والمعنى : أن الذي أنزل الجرب في الأول هو الذي أنزله في الأخرى ، ثم بين لهم صلى الله عليه وسلم أن المخالطة قد تكون سببا لنقل المرض من المريض إلى الصحيح ، بإذن الله عز وجل ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : « لا يورد ممرض على مصح » . والمعنى : النهي عن إيراد الإبل المريضة ونحوها بالجرب ونحوه مع الإبل الصحيحة ؛ لأن هذه المخالطة قد تسبب انتقال المرض من المريضة إلى الصحيحة بإذن الله ، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم : « فر من المجذوم فرارك من الأسد » وذلك لأن المخالطة له قد تسبب انتقال المرض منه إلى غيره ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم « أنه أكل مع مجذوم وقال : كل بسم الله ثقة بالله » ليبين صلى الله عليه وسلم أن انتقال الجذام من المريض إلى الصحيح إنما يكون بإذن الله ، وليس هو شيئا لازما .

والخلاصة : أن الأحاديث في هذا الباب تدل على أنه لا عدوى على ما يعتقده الجاهليون من كون الأمراض تعدي بطبعها ، وإنما الأمر بيد الله سبحانه، إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح وإن شاء سبحانه لم يقع ذلك . ولكن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة ، وترك ما قد يفضي إلى الشر .

أما قوله صلى الله عليه وسلم : « ولا طيرة » فالمعنى إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم فأبطلها النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال في الحديث الآخر : « الطيرة شرك الطيرة شرك » . وقال صلى الله عليه وسلم : « إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك » . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك ” قالوا : وما كفارة ذلك يا رسول الله ؟ قال : أن يقول اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك » .

وأما الهامة : فهو طائر يسمى البومة ، يزعم أهل الجاهلية أنه إذا نعق على بيت أحدهم فإنه يموت رب هذا البيت ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : « ولا صفر » فهو الشهر المعروف وكان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون به . فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وأوضح صلى الله عليه وسلم أنه كسائر الشهور ليس فيه ما يوجب التشاؤم .

وقال بعض أهل العلم : إنها دابة تكون في البطن ، تسمى : صفر . وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيها أنها تعدي ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما النوء : فهو واحد الأنواء ، وهي النجوم ، وكان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون ببعض النجوم ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . وقد أوضح الله سبحانه في القرآن العظيم أنه خلق النجوم زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها في البر والبحر ، كما قال الله سبحانه : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } وقال سبحانه : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } الآية . وقال سبحانه : { وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } .

وأما الغول : فهو جنس من الجن يتعرضون للناس في الصحراء ، ويضلونهم عن الطرق ويخوفونهم ، وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيهم ، وأنها تتصرف بقدرتها ، فأبطل الله ذلك ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان » والمعنى : أن ذكر الله يطردها ، وهكذا التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، يقي من شرها وشر غيرها ، مع الأخذ بالأسباب التي جعلها الله أسبابا للوقاية من كل شر .

أما الفأل : فهو أن يسمع الإنسان الكلمة الطيبة ، فتسرّه ، ولكن لا ترده عن حاجته ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الفأل بذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم : « ويعجبني الفأل . قالوا : يا رسول الله وما الفأل ؟ قال : الكلمة الطيبة » . هـ.

ومن أمثلة ذلك أن يسمع المريض من يقول : يا سليم يا معافى فيسره ذلك ، وهكذا إذا سمع من ينشد ضالة من يقول : يا واجد ، أو يا ناجح أو يا موفق فيسره ذلك ويتفاءل به . والله ولي التوفيق .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.