من حسن إسلام المرء

الأثنين
مايو 2018

عَنْ أبي هريرة – رضي الله عنه – ، قال : قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ » رواه الترمذي ومالك وأحمد وصححه الألباني .

هذا الحديث يبين أن من كمال إسلام المرء واستقامته تركه ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ، وأكثر ما يعنيه هذا الكلام اللسان !

وفي صحف إبراهيم عليه السلام : ” من عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلَّا فيما يعنيه ” .

وعن الحسن قال : من علامة إعراض الله عز وجل عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه فيشتغل به ، ورُبَّما شغله عمَّّا يعنيه أو أدَّاه إلى ما يلزمه اجتنابه .

فالكلام فيما لا يعني عادة ما يجرّ إلى المكروه والمحرم ، ولا يسلم من ذلك إلَّا من حفظ لسانه وكفَّ عن كل ما لا يعنيه .

فهذا ضرر التدخل فيما لا يعني على صاحبه فيما بينه وبين ربه ، وأما ضرره فيما بينه وبين الخلق فحدِّث ولا حرج ..

يقول الدكتور علي الحمادي – حفظه الله – : ” إن العاقل لا يُقدم على قول أو فعل إلَّا إذا وجد فيه خيراً مرجواً أو شراً مجتنباً ، إنه يترك كل ما لا يعنيه ويشتغل فيما ينفعه . والذي يتكلم فيما لا يعنيه ، أو يسأل ما لا يعنيه ، فإنه يتعرَّض لسخط الناس وغضبهم ، ذلك لأنه يتسبب في إحراجهم ومضايقتهم ..

قال مجاهد : سمعت ابن عباس – رضي الله عنه – يقول : خمس لهن أحب إليَّ من الدُّهم الموقوفة : لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك من الوزر ، ولا تتكلم فيما لا يعنيك حتى تجد له موضعاً فإنه رُبَّ متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فعنت ، ولا تمارِ حليماً ولا سفيهاً فإن الحليم يقليك والسفيه يؤذيك ، واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به واعفه بما تحب أن يعفيك منه وعامل أخاك بما تحب أن يعاملك به ، واعمل عمل رجل يعلم أنه مُجازى بالإحسان مأخوذ بالاحترام .

وقال مورِّق العجلي : ” أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة لم أقدر عليه ، ولست بتارك طلبه . قالوا : وما هو ؟ قال : الصمت عمَّا لا يعنيني ” .

وروي أن لقمان الحكيم دخل على داود عليه السلام وهو يسرد درعاً ، ولم يكن رآها قبل ذلك اليوم ، فجعل يتعجب مما رأى ، فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته حكمته ، فأمسك نفسه ولم يسأل ، فلما فرغ داود قام فلبسه ، ثم قال : نعم الدرع للحرب ، فقال لقمان : ” الصمت حكمة وقليل فاعله “، أي حصل العلم به من غير سؤال . وسئل لقمان ذات مرة فقيل له : ما حكمتك ؟ فقال : ” لا أسأل عمَّا كُفيت ، ولا أتكلف ما لا يعنيني ” .

ومن أمثلة السؤال عمَّا لا يعنيك أن تسأل صاحبك فتقول له : هل أنت صائم ؟ فإن قال نعم ، كان مُظهراً لعبادته ، فيدخل عليه الرياء ، وإن لم يدخل سقطت عبادته من ديوان السر ، وعبادة السر تفضل عبادة الجهر بدرجات ، وإن قال : لا ، كان كاذباً ، وإن سكت كان مستحقراً لك وتأذيت به ، وإن احتال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد وتعب فيه .[1] فقد عرَّضته بالسؤال إما للرياء أو للكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع ، وكذلك سؤالك عن سائر عباداته (1) ، وعن كل ما يخفيه ويستحي منه (2)(3) .

بعض الناس مولَع بالتدخل في خصوصيات الآخرين ، يسألهم أسئلة لا داعي لها ، وعن أشياء لا يحبون أن يطَّلِع عليها أحد ! وهذه وقاحة وتطفل لا تليق بعاقل .. فما أحراهم إلى سماع هذا الحديث العظيم ! وإلى تطبيق ما فيه ، ففيه سلامة لهم وراحة لهم وللناس ..

[1] (1) – حفظه وقراءته للقرآن وقيامه وهكذا .

(2) –  من أمور دينه ودنياه .

(3) – أمسك عليك هذا : علي الحمادي ؛ ص : 101 – 103

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.