يُلاحظ أن الولد عندما يولد يشبه أحد أبويه – جسديّاً ونفسيّاً وعقليّاً – أو قد يمتدّ الشبه إلى بعض أقاربه من جهة الأم أو من جهة الأب .. فمن أين يكون الشبه ؟
” قرر النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه الشريفة النتائج العلمية لقوانين الوراثة ، فممّا يُعلَم أن البيضة الملقحة خلية لها نواة فيها صبغيات وعليها المورِّثات ، وأن عدد هذه المعلومات التي تحتويها المورِّثات كبيرٌ جداً ، عُرِفَ من هذه المورثات حتى الآن ثلاثين ألف مورِّث فقط ، هذه المورثات في النطفة تتفاعل مع المورثات في البيضة ، وتنشأ البيضةُ الملقَّحة من مورثات النطفة ، وهذا ما عناه ربنا سبحانه وتعالى حينما قال : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً } [ الإنسان 2 ] .
يقول علماء الوراثة : ” إن التزاوج بين الأقارب من الدرجة الأولى ينقل الأخطاء في المورِّثات [1]أو الضعف أو الأمراض أو العاهات إلى الأجيال بنسبة خمسين بالمئة ، والزواج من الأقارب من الدرجة الثانية ينقل الأخطاء في المورثات بنسبة اثني عشر بالمئة ، ومن الدرجة الثالثة بنسبة ستين بالمئة ” ، وهذا التفسير العلمي وراء قوله تعالى : { حرِِّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم الَّاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } [ النساء : 23 ] .
أما الزواج من الأقارب من الدرجة الرابعة ففيها تقلّ نسبة انتقال الأخطاء في المورِّثات ، وقد روي عن عمر – رضي الله عنه – : ” اغترِبُوا لا تُضْوُوا ” (1) .
فكلَّما ابتعدتَ في اختيار الزوجة جاء النسلُ قويّاً .
ويقول سيدنا عمر – رضي الله عنه – أيضاً : ” لا تنكحوا قرابة القريبة ، فإن الولد يُخْلَقُ ضاوياً ” يعني : ضعيفاً .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : جاء رجل من بني فزارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاماً أسوداً !
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” هل لك من إبل ؟ ” قال : نعم .
قال : ” فما ألوانها ؟ ” . قال : حمر ،
قال : ” هل فيها من أورق ؟ ( أيّ جمل فيه سواداً ليس صافياً ) .
” قال : إن فيها لورقاً .
قال : ” فأنى أتاها ذلك ؟ ”
قال : عسى أن يكون نزعه عِرق .
قال : ” وهذا عسى أن يكون نزعه عِرق ” [ متفق عليه ] .
” والعرق هنا : الأصل من النسب .
ونزعه : أشبهه واجتذبه إليه ، وأظهر لونه عليه .
[2]من هذه الأحاديث يتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرر حقيقة علمية لم تُعرف إلّا في عصرنا الحديث ، وهي أن الجنين يأخذ من كل من له به صلة نسب صفاته الخَلْقية ، فالصفات الخلقية التي تكون في المولود يأخذها من جميع أصوله التي مرَّت في قائمة نسبه ” (1) .
فالصفات الوراثية من خَلْق ومزاج وسمات ومزايا وشكل ولون وعيوب يأخذها من أمه وأبيه ومن كل له صلة بهما .
ولهذا يُعدّ ” تحسين النسل من أرقى علوم الوراثة ، أي أن يأتي جيلٌ يتمتَّع بقدرات عقليَّة عالية ، وبنية جسميَّة فائقة ، ونفسيَّة متفتِّحة غير متشائمة وغير مريضة ، هذا الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم .
لذلك لك على ابنك حقوق كثيرة جداً ، وله عليك حقٌّ أول ، هذا الحقُّ أن تُحسِن اختيار أمه ، هذا أول حق من حقوق أولادك عليك قبل أن يأتوا إلى الدنيا .
قبل أن يختار الإنسان زوجته أم أولاده شريكة حياته يجب أن يقفَ عند هذا الاختيار طويلاً ، ليطبق السنة النبوية (1)[3] ، ” فاظفر بذات الدين تربت يداك ! ” .
[1](1) – أي : تزوجوا الغرائب دون القرائب ، فإن ولد الغريبة أنجب – أذكى – من ولد القريبة .
[2](1) الإعجاز العلمي في السنة النبوية ؛ د : صالح بن أحمد رضا ( 1/62 )
[3](1) – موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ؛ د : محمد راتب النابلسي ( ص 86-88 ) .
اترك تعليقاً