إن الإنسان وهو يعيش على هذه الأرض يتفاعل بما يسمع ويرى ويحس مما حوله من الأخبار والحوادث ، فتثير في نفسه انفعلاً يكون له أثره على جسده بما تحدثه من تغيرات جسدية ونفسية وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم دواء لبعض هذه الانفعالات ومن ذلك :
الغضب :
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغضب في أحاديث منها : عن ابن عمرو – رضي الله عنهما – أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ماذا يباعدني من غضب الله عز وجل ؟ قال : ” لا تغضب ” .
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” من أنظر معسراً أو وضع له ، وقاه الله من فيح جهنم ، ألَا إن عمل الجنة حزن بربوة – ثلاثاً – ألَا إن عمل النار سهل بسهوة ، والسعيد من وقي الفتن ، وما من جرعة أحب إليَّ من جرعة غيظ يكظمها عبد لله ، ما كظمها عبد لله إلَّا ملأ الله جوفه إيماناً ” .
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” ما تعدُّون فيكم الصُّرعة ؟ ” قال : قلنا : الذي لا يصرعه الرجال .
قال : ” لا ، ولكن الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب ” .
وقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الأدوية المؤثرة بهذا الانفعال ومنها :
أ – السكوت :
فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” علِّموا ويسِّروا ولا تعسِّروا ، وإذا غضبت فاسكت ، وإذا غضبت فاسكت ، وإذا غضبت فاسكت ” .
وذلك أنَّ الكلام مع الغضب سيزيده أواراً ، وسيزداد الانفعال مع الكلام ، والمقصود هو تخفيف أثر هذا الغضب على الإنسان ، وإذا كان الإنسان يتلفت إلى ذكر الله تعالى فإنه سيخفف عن نفسه هذا الانفعال الذي ثار فيه ويذهب عنه هذا الغضب كليّاً أو جزئيّاً ، مما يخفف آثاره من البطش والضرب والإيذاء .
ب – الجلوس وإلَّا فالاضطجاع :
فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب ، وإلَّا فليضطجع ” .
فإن الإنسان إذا جلس سيخفف من اندفاع الدم فإذا اضطجع كان التخفيف أكبر ، مما يعجِّل من ذهاب تأثير هذا الانفعال على نفسه فيهدأ ويطمئن .
ج – الوضوء :
فعن عطية السعدي – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” إنَّ الغضب من الشيطان ، وإنَّ الشيطان خُلِقَ من النار ، وإنما تُطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ” .
فما هي التغيرات الجسدية التي يحدثها الغضب ؟ وما تأثير الأدوية التي أشار بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجسم الإنساني ؟
إنَّ الغدة الكظرية التي تقع فوق الكليتين تفرز من جملة عملها هرمون الأدرينالين والنور أدرينالين ، والأدرينالين يُفرِز استجابة لأيّ نوع من أنواع الشدة أو الضغوط كالخوف ونقص في السكر أو غضب أو مرض جراحي .. أو غير ذلك . وعادة ما يفرزه الهرمونان معاً .
فهرمون الأدرينالين يمارس تأثيره على القلب فيسرع القلب في دقاته ، وقد يضطرب نظم القلب ، ويحيد عن طريقه السوي ، فالانفعال يسبب اضطراباً في ضربات القلب ، ورفع مستوى هذين الهرمونين في الدم يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم .
ولذلك ينصح الأطباء مرضاهم المصابين بارتفاع ضغط الدم باجتناب الانفعالات والغضب والاستياء ، وكذا من كان مصاباً بتضيّق في شرايين القلب ( ذبحة صدرية أو جلطة في القلب ، فعليه أن يبتعد عن مسببات الغضب { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } [ سورة الشورى : 37 ] ) .
والأدرينالين يزيد من سكر الدم فعلى مرضى السكر اجتناب الغضب .
كيف يؤثر الوقوف والاضطجاع على الغضب :
جاء في كتاب هاريسون الطبي ، طبعة ( 1991م ) :
من الثابت علميّاً أن كمية هرمون النور أدرينالين في الدم تزداد بنسبة ضعفين إلى ثلاثة أضعاف لدى الوقوف لمدة خمس دقائق وقفة هادئة .
أما الأدرينالين فإنه يرتفع ارتفاعاً بسيطاً بالوقوف ، إلَّا أنَّ الأنواع المختلفة من الضغوط النفسية يمكن أن تسبب زيادة مستوى الأدرينالين في الدم بكميات كبيرة .
فيقول الدكتور حسان شمسي باشا :
فإذا كان الوقوف وقفة هادئة ولمدة خمس دقائق يضاعف كمية النور أدرينالين وإذا كان الغضب أو الانفعال يزيد مستوى الأدرينالين في الدم بكميات كبيرة ، فكيف إذا اجتمع الاثنان معاً غضب ووقوف .
فمن علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ هذه الهرمونات تزداد بالوقوف ؟
ومن علَّمه أنها تنخفض بالاستلقاء حتى يصف لنا هذا العلاج ؟
يقول : فإذا ازداد مستوى الهرمونات في الدم ازداد تقلص العضلة القلبية وتسرَّع القلب ، وازداد استهلاك القلب للأكسجين كل هذا نتيجة لحظة غضب أو انفعال . ( انظر : قبسات في الطب النبوي 195-198 ) .
فلا شك أنَّ الوضوء سيؤثر تأثيراً كبيراً في تخفيف حِدّة الانفعال ، وبخاصة إذا قام به العبد المؤمن على الصورة المشروعة ، وعرف أنه يتوضأ عبادة لله تعالى ، ودلك الأطراف ، واستوعبها في الغسل فإنه ينقل نفسه نقله كبيرة من الجو الذي كان فيه مما يجعل للوضوء تأثيراً عظيماً في تخفيف حدة الانفعال ، ولذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذُ أربعة عشر قرناً فكان بهذه الوصية النبوية قد سبق أهل العلم والمعرفة لا في زمنه فقط ، وإنما في سائر الأزمان ، فكان إعجازاً علمياً رفيعاً .
ويقول الدكتور حامد أحمد في كتابه ؛ ( رحلة الإيمان في جسم الإنسان ) :
1 – إنَّ مجموع ما يدفعه القلب من الدم قد تضاعف ( 7 ) مرات أثناء المجهود الشاق وذلك يتمّ دون زيادة حجم الدم بالأوعية الدموية ، وإنما بزيادة سرعة تدفقه .
2 – أنَّ توزيع الدم إلى الأعضاء يتم تعديله بحيث :
أ – تثبت كمية الدم الواردة إلى المخ بما يطابق فسيولوجية خلايا المخ أثناء الراحة والمشقة فاستهلاك خلايا المخ للطاقة ثابت أثناء الراحة والمجهود .
ب – تنخفض كمية الدم الواردة إلى الكبد والأمعاء بنسبة ( 50 ) ويتم توجيهها إلى العضلات والجلد .
ج – زيادة كمية الدم الواردة إلى الكليتين بنسبة ( 150 ) حتى يتسنى للجسم التخلص من الشوارد الزائدة وإفرازها للبول .
د – يرتفع ورود الدم إلى العضلات ( أدوات الجهد ) إلى ( 24 ) ضِعفاً وهو المتوقع والمطلوب حدوثه .
هه – يصاحب ذلك ارتفاع كمية الدم الواردة إلى الجلد ( 20 ) ضِعفاً حتى يتسنى للجسم التخلص من الحرارة الزائدة الناتجة عن الجهد العضلي الشاق /235-236/ فالضوء يأتي مُخِففاً ومساعِداً لذلك . (1) .
أرأيت أخي الكريم كيف أثر الغضب ! ” فالانفعالات الشديدة تؤدي – بآليات عديدة – إلى تسرّع القلب والتنفس وارتفاع ضغط الدم .. فالغضب يرفع نبض القلب إلى مئة وستين نبضة ، ومع ارتفاع الضغط هناك خطر نزيف في الدماع ، وخثرة في الدماغ تعني الشلل ، أو جلطة في القلب ، أو عمىً مفاجئاً .
وقال العلماء : “معظم حالات الداء السُّكريّ تأتي عقِب انفعال شديد ” (2) .
فلا تغضب ! وإذا غضبت فطبق علاجه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ..
(1) – الإعجاز العلمي في السنة النبوية ؛ د : أحمد بن صالح رضا ( 1/84-88 ) .
(2) –موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ؛ د : محمد راتب النابلسي ( ص : 50 ) .
اترك تعليقاً