الإفطار على التمر والرطب

الأثنين
مايو 2018

عن سلمان بن عامر الضبِّي– رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

” إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإنه بركة ، فإن لم يجد تمراً فالماء ، فإنه طهور ” .

وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فعلى تمر ، فإن لم يكن تمر حسا حسوات من ماء ” .

فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفعلية والقولية ترشد المؤمن إلى أن يكون أول ما يتناوله بعد يوم كامل يقضيه في الصيام عن الطعام هو التمر والرطب فإذا لم يجد واحداً منهما فليفطر على الماء .

والتمر والرطب من المواد المفيدة لجسم الإنسان ، وكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يختارهما للصائم فذلك لحكم ومنافع في هذه المادة ، لعل منها :

أن التمر يحتوي على نسبة عالية من سكر الفواكه ( الفرتكوز أو الليفيولوز ) . وسكر الفواكه هذا له تأثير منشط للحركة الدودية للأمعاء وبذلك فإنه يكافح الإمساك فالتمر يساعد على تليين الأمعاء .

إضافة إلى هذا فإن التمور تحتوي على مواد سكرية سهلة الامتصاص بنسبة عالية ، حوالي سبعين إلى ثمانين بالمائة والكيلو غرام الواحد من التمور يعطي طاقة حرارية عالية حوالي ثلاثة آلاف من السعرات ، وهذا القدر يحتاجه الإنسان العادي من الطاقة الحرارية .

والسكريات الموجودة في الرطب والتمور تمتص بسرعة فائقة وفي أقل من ساعة وهو عبارة عن ( سكر العنب وسكر الفواكه ) وكلاهما أحادي يمتصان مباشرة من جدار الأمعاء الدقيقة وبسهولة .

كما تحتوي التمور على سكر القصب وهو ثنائي وهو سهل الهضم أيضاً فيتحول بواسطة خميرة ( السكراز ) الموجودة في العصارة المعوية إلى سكر العنب وسكر الفواكه ، فيمتص من جدار الأمعاء الدقيقة إلى الدم ثم إلى الأنسجة ليولد الطاقة الحرارية المطلوبة للجسم بعد تمثيله وتحويله إلى ماء وثاني أكسيد الكربون ، فلهذا كان التمر أنسب الأغذية للصائم أول ما يبدأ به لإمداده بالطاقة الحرارية ولسهولة هضمه على المعدة والأمعاء . ( انظر د / عبد الله عبد الرزاق في كتابه : الرطب والنخلة 132-134 ) (1) .

وقال الدكتور أحمد عبد الرؤوف والدكتور علي أحمد الشحات :

” إنَّ تناول الرطب أو التمر عند بدء الإفطار يزود الجسم بسبة كبيرة من المواد السكرية ، فتزول أعراض نقص السكر ويتنشط الجسم ” (2) .

فها هو الطب الحديث يثبت الفائدة العظمى من كون الصائم يفطر على تمر .. ذلك أن الصائم يستنفد في نهاره عادةً معظم وقود جسده ، ويكون قد انخفض عنده سكر الدم ، ولا سيما في آخر نهار الصيام ، الذي من أدلته ما يشعر به الصائم من ضعف وكسل ، وبالفطر على الرطب أو التمر يعود البدن إلى نشاطه (3) .

وإننا نلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من سنته الابتداء بالتمر يوم الفطر بعد الانتهاء من صيام شهر رمضان ، وقبل الذهاب إلى صلاة العيد ، فعن أنس – رضي الله عنه – قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ” . زاد في رواية : ” ويأكلهن وتراً ” .

ولعل ذلك لتتهيأ المعدة لاستقبال الطعام في يوم الفطر حيث إنها اعتادت الصيام لمدة شهر كامل فيبدأ بالتمر المليِّن للمعدة لتأكل بعد ذلك ما شاءت من أنواع الصيام .

وجاء في كتاب : صحتك في الغذاء :

لكي تتهيأ المعدة لاستقبال وجبة الطعام بعد صيام ساعات طويلة ، يبدأ بتناول مادة سكرية مثل : عصير الفاكهة ، أو كوب من الشاي واللبن ، أو بعض تمرات من البلح كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

بعد كسر الصيام ، ينتظر الصائم لمدة عشر دقائق قبل تناول أي طعام حتى تعود المعدة لحالتها الطبيعية بعد أن كانت في حالة استرخاء خلال فترة الصيام . ( 304 ) .

قلت : وذلك ما يفعله المسلمون ، حيث يفطرون على التمر ثم يقومون إلى الصلاة ثم يعودون إلى الطعام المُعدّ وقد تهيأت معداتهم لاستقباله .

فلله الحمد والمنَّة الذي جعلنا من أمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي علَّمه من العلوم وهداه إلى ما فيه مصلحة الناس في الدارين .

ويقول الدكتور حامد أحمد حامد في كتابه : رحلة الإيمان في جسم الإنسان :

يحتوي التمر على نسبة عالية من السكريات سريعة الامتصاص وحيث إنه يحتوي على نسبة عالية من الفوسفور ، غذاء المخ ، نجد أن الإفطار على التمر له حكمة فسيولوجية بالغة تتمثل في سرعة زوال الخمول والكسل ، كما يزول الشعور بالجوع ، وينشط الذهن ، وتتهيأ أجهزة الهضم لما تستقبله من طعام بعد صلاة المغرب .. ( 319 ) .

أقول ولعل من فوائد التمر الجمة ومنافعه المتعددة هي التي دفعت رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ليخص التمر في الحث على التصدق منه في أحاديث كثيرة :

فعن عدي بن حاتم – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” اتقوا النار ولو بشق تمرة ” .

وعن فضالة بن عبيد – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

” اجعلوا بينكم وبين النار حجاباً ولو بشق تمرة ” .

وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

” ليتق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة ” .

وعن عائشة – رضي الله عنها – قال لها النبي صلى الله عليه وسلم :

” يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة ، فإنها تسدُّ من الجائع مسدّها من الشبعان ” .

ومثله عن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – بلفظ : ” تقع من الجائع موقعها من الشبعان ” .

وعن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

” تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من صاع بره ، من صاع تمره .. حتى قال : ولو بشق تمرة ” .

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

” من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يقبل الله إلا الطيب ، إلا أخذها الرحمن بيمينه – وإن كانت تمرة – فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل ويربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ” .

وعن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

” إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل أحد ” .

فالتصدق بالتمر على الفقراء الذين لا يجدون غذاء إنما هو بمثابة إحياء لهم ، ومدهم بكل عناصر الحياة ، فلا شك أن الناظر إلى هدي رسول الله صلى الله علي وسلم في التمر ، يستدل بوضوح أنه رسول من عند الله تعالى ، علَّمه العلم النافع والدقيق في شؤون الحياة كلها ، وهو بدوره يدلنا على ما فيه خيرنا ، ويوضح لنا ما ينفعنا . (1) .

 

(1) – الإعجاز العلمي في السنة النبوية ؛ د : صالح بن أحمد رضا ( 1/291-292 ) .

(2) – موقع صيد الفوائد .

(3) – منحة العلام في شرح بلوغ المرام ؛ عبد الله صالح الفوزان ( 5/32-33 ) .

(1) – الإعجاز العلمي في السنة النبوية ؛ د : صالح بن أحمد رضا ( 1/292-295 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.