كمية ما يأكل الإنسان

الأثنين
مايو 2018

عن المقداد بن معد يكرب – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ما ملأ آدميٌّ وعاء شرّاً من بطن ، بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه ، فإن كان لا محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لِنَفَسِه ” .

إن هذا البدن الذي يتحرك ، وإن هذه الحواس التي تطل على الحياة ، وإن هذا العقل الذي يفكر ويدبر ، كل ذلك يحتاج من الإنسان أن يمده بطاقة تتمثل في الغذاء الذي يتناوله الإنسان ، ويتمثله الجسم ، فيحوله إلى مواد نافعة مفيدة تمد كل جهاز وكل عضو من أعضاء الجسم بحاجته التي يستطيع بها أن يقوم بعمله المكلف به .

ولكن الإنسان لما جعل الله تعالى من لذة الطعام يُقبِل عليه بنهم ورغبة شديدة ربما يؤذي بذلك نفسه ، ويضرّ بصحته .

ويأتي هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول للإنسان :

إنّ الطعام ليس غاية في حدِّ ذاته ، وإنما هو وسيلة للحياة ، جعله الله تعالى سبباً من الأسباب العادية التي يتعاطاها الإنسان في هذه الحياة لتستمر وتقوم ، فالمُهِّم في الطعام أن يُقيم صلب الإنسان ، فيوقفه منتصباً ، وينهض صاحبه بأعباء الحياة المطلوبة منه بحسب عمله واختصاصه .

فانتصاب القامة في الإنسان وبقاؤها كذلك يحتاج إلى الطعام بحسب عمل الإنسان الذي يؤديه في هذه الحياة فليس كل فرد يحتاج من الطعام ما يحتاجه غيره سواء بسواء لأنَّ العمل والحركة النشيطة تُحرِق الطعام الذي يدخل البدن وتسرع في هضمه أكثر من السكون والراحة ، فاللقيمات اللاتي تُقمن الصلب إنما تكون كميتها متناسبة مع عمل الإنسان وجهده الذي يقوم به في هذه الحياة ، فكلما كان الجهد العضلي المبذول كبيراً كان المطلوب من الطعام كماً وكيفاً عن الجهد العقلي الذي يبذله رجل آخر ، وكذا إذا كان العامل جالساً طول النهار يختلف عن ذاك الذي لا يهدأ صعوداً ونزولاً إلى غير ذلك من الأمور والأحوال التي يختلف فيها الناس في أعمالهم ، وكل ذلك تعطيناه هذه الكلمة التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لقيمات يُقمن صلبه ” .

ولكنك أيها الإنسان لن تكتفي بتلك اللقيمات أيّ لن تكتفي بالطعام المُقدَّر لحاجتك الذي يمكنك من عملك ، فإن لم تكتفِ بقدر الحاجة فأنا أُسدي لك نصيحة غالية وهي : أن لا تملأ معدتك أكثر من ثلثها من الطعام مبقياً الثلث الثاني للشراب الذي تتناوله من ماء أو غيره مع الطعام أو بعده ، ولا تملأها أكثر من ذلك بل أبق الثلث الأخير فارغاً لتتمكن رئتيك من التنفس بصورة طبيعية دون أيّ مضايقة منها للمعدة أو لغيرها ، فأبق أيها العبد المؤمن المُصدِّق لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم ثلث معدتك لا تملأه ، حتى ينساب هواء الزفير والشهيق عبر جهاز التنفس ، دون أن يضغط الحجاب الحاجز أثناء حركته على المعدة فيضر بها ويزعجك ، وفي ذلك إشارة إلى علاقة التنفس بملء المعدة من الطعام .

وقد جاء في كتاب ( أمراض القلب ) : السمنة : وهي لا تعني في المفهوم الطبي سوى الإفراط في الطعام . وعلاجها : الأكل مع عدم الشبع (101) .

وقال : لذلك نذكر دائماً أن من يأكل قليلاً يعيش كثيراً ، والعبرة في تجنّب السمنة ليست فقط بالإقلال من الدهنيات في الطعام ، ولكن بعدم الإفراط أيضاً في الأكل لأن أيّ غذاء سواء كان دهنيات أو نشويات أو زلاليات يتحوّل الزائد منه إلى دهنيات تترسب في جدار الشرايين وتسبب ضيقها ( أمراض القلب : 101 ) .

ويقول في كتاب ( صحتك في الغذاء ) عن هذا الحديث الشريف :

وهذا الحديث قمّة من قِمم الإعجاز الصحي ، والوقائي ، والغذائي ، فهو من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وجوامع كلمه ، وحكمته العالية ، ومن القوانين التي سنَّها الرسول صلى الله عليه وسلم للأكل ، وهذا النظام يعتبر أساساً للحياة البشرية إذا أراد الإنسان أن يعيش سليماً مُعافى من الأمراض فيكفي الإنسان لُقيمات يُقمن صلبه فلا تسقط قوته ولا تضعف معها ، فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطنه ، ويدع الثلث الآخر للماء ، والثالث للنفَس وهذا من أنفع ما للبدن ، والقلب ، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب ، فإذا أورد عليه الشراب ضاق عن النفَس وعرض له الكرب والتعب ، وصار محمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل ، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب ، وكسل الجوارح عن الطاعات وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع .

قال : ولذلك فالاعتدال في الغذاء هو قانون الطبيعة .. ( 210-211 ) .

يقول الدكتور حسان شمسي باشا :

( والرسول العظيم حين يُخصص الثلث الآخر للنَّفَس لم يشأ أن يتعرض لحقائق علمية لم تُعرف إلَّا في القرن العشرين حين درس بافلوف العصارة المعدِيَّة عند الكلب حين فتح معدته ، وتابع كيف يهضم الطعام وتفرز العصارات .

ولم يذكر الرسول الكريم شيئاً عمَّا يجري في المعدة إلَّا أنه اكتفى بذكر الثلث الثالث للنَّفَس ، حيث إنَّ الطعام بحاجة إلى هضم والهضم لا يتم بدون مفرزات المعدة فإذا امتلأت المعدة بالطعام فأين تجد العصارات الهاضمة مكاناً لها ؟ فمن ملأ معدته بالطعام والشراب ولم يدع فيها مُتنفَّساً شعر بعد ذلك بالتخمة وعسر الهضم .

وهناك سرٌّ آخر في هذا الحديث فقد ابتكر العلماء في الولايات المتحدة طريقة جديدة لإنقاص الوزن ، وذلك بإدخال بالون إلى المعدة ويُنفخ بشكل يملأ ثلث المعدة ويبقى ثُلثا المعدة الآخران فارغين للطعام والشراب وقد وجد الباحثون أنها طريقة فعالة في إنقاص الوزن . ( انظر قبسات في الطب النبوي /51-52 ) .

فهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبته تجارب الطب الحديث وأبحاثه العلمية التجريبية ، ويقول الدكتور محمود الجزيري وهو من كبار أساتذة كلية الطب في جامعة دمشق :

( قد كنت أول ما عُيّنت مدرساً في كلية الطب أقرر قائدة شرب الماء مع الطعام آخذاً بالحديث الصحيح ” فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ” .

وقد لاحظت فائدة ذلك بالتجربة على نفسي وعلى مرضاي الذين أصبح عددهم يزيد الآن على نصف مليون ، وكان الطلبة آنذاك يعارضونني لأنهم يجدون في الكتب التي بين أيديهم والمأخوذه عن الأجانب ضد ذلك ، وكنت أُصِرّ على رأيي وأخالف تلك الكتب ، وأخيراً منذ سنين جاء علم الطب نفسه يقرر ما ذكره الحديث الشريف ويوصي بشرب الماء مع الطعام لأنه تبين للأطباء أن شرب الماء مع الطعام يفيد في زيادة إفرازات العصارات كلها في المعدة والكبد والأمعاء ، ويساعد مهمة جهاز الهضم بتليين الطعام وصياغته كعجينة تنفذ فيها العصارات الهاضمة ويمنع القبض ، وكنت أوصي المصابين بالقبض ( الإمساك ) المزمن بكثرة شرب الماء مع الطعام وكانت توصية ناجحة مائة بالمائة ( نقله الدكتور نور الدين عتر في كتاب : السنة المطهرة والتحديات /76-77 ) .

ويقول الدكتور فارس علوان عن هذا الحديث : فلا مجال للتساؤل بعد ذلك كم نأكل وكم هو الثلث فالثلث هو ثلث ما يملأ المعدة من طعام أي ثلث ما يستطيع الإنسان أن يأكله ويبقى الثالث الثاني للشراب أما الثلث الأخير فهو لسهولة عملية التنفس إذ المعدة الممتلئة تضغط على الحجاب الحاجز فتعيق وظيفة الرئتين ووظيفة القلب والدوران . وأكله الثلث هذا ، إن كان لا محالة فاعلاً أيّ إن كان في ظروف خاصة كأن يكون قد بلغ به الجوع مبلغه أو يعلم أنه لن ينال طعاماً بعدها لفترة طويلة أو يكون ممن يبذلون قوة جسدية كبيرة في عملهم اليومي أما في الأحوال العادية وفي الحياة اليومية الطبيعية فتكفي لقيمات بسيطة يقيم بها أوده ، ويتقوى بها على أعمال الخير ، وتعينه على فرائضه وواجباته ( انظر ؛ د : فارس علوان في كتابه ( وفي الصلاة صحة ووقاية ) /134-135 ) .

وفي أبها قام المحاضر بكلية الشريعة وأصول الدين الأستاذ الفاضل أحمد حميد بتطبيق هذا الحديث على نفسه في الطعام والشراب فكانت النتيجة أن نزل وزنه من ( 115 ) إلى ( 75 ) كيلاً . – نزل أربعين كيلو ! – .

فهذا الحديث من أبلغ الأحاديث الدالة على الإعجاز النبوي في العلوم الصحية الواضحة ، لو أمعنا النظر فيه ، واتبعنا هذا الهدي النبوي في حياتنا الخاصة ، لكان المجتمع الإسلامي مجتمعاً صحيحاً قد أبعدت عنه أقسى أمراض العصر الحاضر ، وهو ” السمنة ” فلله ما أعظم هديه ، وما أوسع علمه ، وما أدق تعبيره (1) .

 

(1) – الإعجاز العلمي في السنة النبوية ؛ د : أحمد بن صالح رضا (1/269-273 ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.