فضل الحديث وآداب الشيخ والطالب

الأحد
مايو 2018

لماذا نطلب علم الحديث ؟

نطلب علم الحديث :

1 – لأنه أشرف العلوم .

2 – ولأن أهله هم الذين أصبحوا مصابيح الدُجى ، فلو نظرنا إلى الأئمة الأربعة نجد أن ثلاثة منهم ممن اشتُهروا بالحديث ، فالإمام مالك كتابه ( الموطأ ) مليء بالأحاديث ، والإمام الشافعي كتابه ( الأم ) مليء بالأحاديث التي يسوقها بسنده ، وهكذا كتابه ( الرسالة ) ، وقام أحد تلاميذه فألَّف مسنداً للشافعي استخلصه من الأحاديث التي يرويها في كتبه ، وقد أصبح الكتاب مشهوراً بمسند الشافعي ، وهكذا كتاب ( السنن ) ، وأما الإمام أحمد فهو قمة أهل الحديث ، ولا يُعرف أن الإمام أحمد كتب حرفاً واحداً في الفقه ، مع العلم أنه محسوب في عداد الفقهاء ، وكان ينهى تلاميذه عن كتابة الرأي ، ويحثهم على كتابة الحديث (1)

 

 

 

 

 

فضل أهل الحديث :

هم الذين جهزوا الجهاز وأعدوا العدة لكل من أراد أن يخدم علوم الإسلام على شتى صنوفها ، فالمفسر لا يستغني عن الحديث ، والفقيه لا يستغني عن الحديث ، والأصولي لا يستغني عن الحديث ، والمؤرخ لا يستغني عن الحديث .

بل لا يستغنون عن مصطلح الحديث ، فالمفسر يفسر القرآن بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بأقوال الصحابة ثم بأقوال التابعين ، فلو نظرنا إلى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء عن الصحابة وإذا به لابد أن يكون مروياً بالسند ، وهكذا السند إما أن يصح وإما أن لا يصح ، فإن صح السند فلا يمكن الحكم على الحديث أو الأثر بالصحة إلا من جراء علم مصطلح الحديث .

ولو مُيّزت الأحاديث والآثار صحيحها من سقيمها لتقلَّصت دائرة الخلاف إلى حدٍّ كبير جداً ، لأن ما لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى صحابي أو إلى تابعي هو الذي يُشكل كثيراً من الخلاف دائماً (1) .

 

 

 

 

 

آداب المُحدِّث وآداب طالب الحديث :

الآن يأتينا مبحث آخر ، وهو من المباحث المهمة في مصطلح الحديث ، لا لأنه ينبني عليه تصحيح أو تضعيف وما أشبه ، لكنه مهم لطالب العلم نفسه ، وهو معرفة آداب المحدث ، وآداب طالب الحديث ، ويُقال آداب الشيخ والطالب ..

والحافظ هنا اختصره اختصاراً – يعني في نخبة الفكر– وإلَّا فكتب الحديث أضافت في هذا النوع إضافة كبيرة ، وهناك كتب أُلفت بمفردها عن هذا النوع من أنواع الحديث ، مثل : ” الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ” للخطيب البغدادي ، وهناك أيضاً كتاب للزرنوجي بعنوان ” مفكرة الطالب والمعلم ” وهي رسالة مهمة لطالب العلم ، ويجب أيضاً أن يتدارسوها ، وكان العلماء السابقون يحثون تلاميذهم على قراءة مثل هذه الرسالة .

ومن الرسائل الجيدة في هذا العصر ، وتعتبر مختصرة ومركزة ” حلية طالب العلم ” للشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله – وأنصح طالب العلم بقراءتها ، فهي لا تأخذ سوى دقائق معدودة ، لكونها مختصرة ، لكنها مركزة .

وهذا النوع من أنواع علوم الحديث مهم ، لأنه يدل طالب العلم على الآداب التي يجب أن يراعيها في مجلس شيخه ، وأيضاً تدل الشيخ على الآداب التي ينبغي أن يراعيها في مجالسه مع طلابه ومعاملاته معهم ، فهي مفيدة لهذا ولذاك ، ونجد أن هذه الآداب منها آداب مشتركة بين الطالب وبين الشيخ ، ومنها آداب مختصة بالشيخ ، ومنها آداب مختصة بالطالب .

آداب مشتركة بين الطالب والشيخ :

فمن الآداب بينهما : تصحيح النية ، والتطهر من أعراض الدنيا ، وحسن الخلق ، فهذه آداب مشتركة بالنسبة للأول والثاني ، وكلاهما يدور حول محور واحد ، وهو الإخلاص لله تعالى في الطلب ، والتبليغ .

أما الإخلاص لله تعالى في الطلب ، فهو مهم جداً لطالب علم الحديث ، وينبغي له أن يراجع حساباته قبل أن يبادر بالطلب ،فينظر ماذا أراد بهذا السبيل ، وما ذا قصد ؟ هل يطلب هذا العلم لكي ينافس به فلاناً وعلاناً ؟!هل يطلب هذا العلم لكي يبرز بين الناس ويُشار إليه بالأصابع ؟! هل يطلب ذلك العلم لكي يحظى بالمنصب الفلاني والوظيفة الفلانية ؟!، فإذا كانت هذه وأمثالها هي مقاصده فخاب وخسر حين ذاك .

وأما إن كان يطلب هذا العلم لأهداف عليا ومقاصد سامية ، كأن يستغل هذا العلم في الدعوة إلى الله عز وجل ، واقتياد الناس للمناهج الصحيحة البعيدة عن التخبط في متاهات الظلم ، وتقويم اعوجاج نفسه ، وأن تكون عباداته ومعاملاته كلها متفقه مع ما جاء عن الله وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يقصد مثلاً حفظ الدين على الأمة مثل بعض العلماء الذين تجد الواحد فيهم يُعنى بالحفظ والتدوين ، فحفظوا لنا هذه الثروة الحديثية التي أصبحت مناراً للسائرين ممن جاءوا بعدهم ، فهذه وأمثالها مقاصد سامية ، وإن كان هذا هو المقصد لطالب العلم فهي مقاصد نبيلة ولا شك ، وهذا هو المراد بتصحيح النية والتطهر من أعراض الدنيا ، بمعنى أن يريد الله تعالى والدار الآخرة بهذا الطلب وأن يكون معرضاً عن سفاسف الأمور والحقير من أعراض الدنيا .

ومن الآداب المشتركة بينهم أيضاً تحسين الخُلق ، فالشيخ ينبغي أن يكون حَسَن الخُلق مع تلاميذه ، والطالب ينبغي أيضاً أن يكون حَسَن الخُلق مع شيخه ومع أقرانه أيضاً ، فهذا العلم ينبغي أن يظهر أثره على السلوك ، وقد حثَّ دين الإسلام على محاسن الأخلاق ، فأكثر ما يُدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق ، فلا شك أن حُسن الخلق من الأمور التي حثت عليها النصوص الشرعية الكثيرة .

وطالب العلم ينبغي أن يكون عاملاً بعلمه ، ومن العمل بالعلم أن يحسن أخلاقه مع مشايخه ومع أقرانه ومع الناس أجمعين ، بحيث يكون مثالاً رائعاً وجيداً لمن يحمل هذا العلم الشريف : علم الكتاب وعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن لو كان بالعكس ، فلا شك أن الناس سينفرون مما يحمله من العلم ، نتيجة سوء الخلق الذي ظهر على سلوكه ومعاملاته مع الناس .

آداب مختصَّة بالشيخ :

وهناك آداب ينفرد بها الشيخ ، من جملتها أن يُسمِع إذا اُحتيج إليه ؛ بمعنى أنه إذا وجد حاجة داعية إلى أن يُسمِع الناس ، فيجب عليه أن يُسمِع ، لأنه إذا لم يُسمِع يكون كاتماً لهذا العلم ، والله عز وجل أخذ الميثاق علينا ألَّا نكتم هذا العلم ويقول تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أُتُوا الكتاب لتبيينه للناس ولا تكتمونه } [ آل عمران 187 ] ، و” من سُئل عن علم يعلمه فكتمه أُلجِم يوم القيامة بلجام من نار ” ، فلو كانت الحاجة داعية لأن يُحدِّث هذا المحدث بعلمه ، أو أن يدعو إنسان مؤهل للدعوة ، ويُبيِّن للناس الطرق السوية ، فأعرض عن ذلك ، فمعنى ذلك أنه أثم بصنيعه ذلك .

ومن الأمور المهمة التي ينبغي أن يراعيها الشيخ – وهي مربوطة بسابقتها – وهي ألَّا يحدث ببلد فيها من هو أولى منه ؛ أي إذا كان هناك بلد فيها عالم متصدر لإفتاء الناس وتعليمهم وإرشادهم ، فالذي أقل منه منزلة إذا لم تكن الحاجة داعية إليه ، فعليه إذا جاءه أحد يطلب منه أن يحدثه أو يلازمه ، أن يرشده إلى ذلك العالم الأفقه ، وفي هذا فوائد .

لأن هذا من التواضع وإرشاد الناس ونصحهم ؛ فكأنه يقول : يا أخي ذاك أعلم مني ، فأنت إن لازمتني فوَّتَّ على نفسك فرصة ثمينة من حياتك قد لا تُعوَّض ؛ قد يفوتك السماع من ذلك الشيخ ، فاذهب الآن ولازمه ، فأنا يمكن أن تأتيني فيما بعد ذلك . فهذا من النصح ، وهو في حد ذاته يعتبر تواضعاً أيضاً .

وفي هذا إغلاق لباب التنافس الذي يقع في بعض الأحيان ، فلربما كان هذا تلميذاً لذلك الشيخ ، لكن حينما يرى الشيخ أن الناس انصرفوا إلى تلميذه ، ربما دخل عليه الشيطان من مداخل وأوغر صدره على ذلك التلميذ .

فمن الأدب الذي ينبغي أن يكون عند ذلك التلميذ أن يُرشد الناس لذلك الشيخ ، ثم إذا احتيج إليه فلا بأس ، والحاجة إما أن تكون بعد وفاة ذلك الشيخ ، أو حتى في حياته ، ككون ذلك الشيخ ليس مستعداً للتصدي للتعليم ، أو للتدريس في كل الأوقات ، بل لا يستطيع مثلاً إلَّا بعد المغرب ، والناس في حاجة إلى دروس في الصباح ، فيمكن لهذا التلميذ أن يتولى التدريس في هذا الصباح ؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك , أو كان ذلك الشيخ له مسفرات في بعض الأحيان فتبقى البلد خاوية ، والحاجة قائمة إلى هذا التلميذ ، فلا بأس حينذاك .

قال الحافظ : ( ولا يترك إسماع أحدٍ لنيّةٍ فاسدة ) ، فمن الأمور التي أيضاً ينبغي للشيخ أن يراعيها أنه أحياناً قد ينفر من طالب علم ما ؛ إما لكون القلوب أو الأرواح جنود مجندة ، وروحه لم تتفق مع روح ذلك التلميذ ، أو لكونه مثلاً ظهر من ذلك التلميذ في حقه خطأ ، أو ما إلى ذلك ، فلا ينبغي له في هذه الحال أن يترك إسماع ذلك التلميذ لأجل النية الفاسدة ؛ لأن مدار كل هذا على شخصية نفسية ، فلا ينبغي في هذه الحال أن يمتنع من إسماعه ، بل يجب عليه أن يُسمِعه ، لأنه لو امتنع فإن في هذا كتماناً للعلم .

آداب مختصَّة بطالب العلم :وهناك آداب تختص بطالب العلم ، فقد راعى المحدثون كلا الجانبين ، فوجهوا الكلام للشيخ ، ووجهوا الكلام للتلميذ كذلك حتى يستوي الطرفان .

قال – أي الحافظ ابن حجر – : ( وأن يتطهر ويجلس بوقار ) ، معظم الدروس التي كانت تقام في السابق كانت تقام في المساجد ؛ ولذلك ينبغي للشيخ والتلميذ على حدٍّ سواء إذا جاء المسجد أن يكون الواحد منهم متطهراً ، أولاً ليؤدي تحية المسجد ، وأيضاً إذا كان جالساً في المسجد فالأولى أن يكون على طهارة ؛ فقد تكون هناك فرصة لأداء نافلة أو لقراءة قرآن أو لغير ذلك من الأمور .

أما إذا لم يكن الدرس في مسجد ، فهذا يعتبر عبادة ، وهذا بالنسبة للشيخ والتلميذ على حدٍّ سواء .

قال : ( ولا يُحدِّث قائماً ولا عَجِلاً ولا في الطريق إلَّا إذا اضطُرَّ إلى ذلك ) .

قالوا : لأنه ينبغي أن يكون هناك اعتناء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألَّا يُؤخذ هذا الأخذ العجل الذي يدل على استخفاف بمثل هذا العلم ، بل ينبغي له ألَّا يُحدِّث إلَّا وهو متهيء للتحديث مستعد له ، والنفوس أيضاً مستعده ، وأما هكذا على عجل فلا ينبغي .

لكن إن اضطر إلى ذلك ، كأن يلقاه إنسان في طريق وهو محتاج إلى فتوى ، فلا بأس أن يُفتيه ويستدل بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .

من الأمور التي يجب أن يراعيها الشيخ أيضاً ( أن يُمسِك عن التحديث إذا خشي التغير أو النسيان لمرض أو هرم ) ، فإذا شعر في نفسه بنوع تغير ، فينبغي أن يُمسك عن التحديث حتى تسلم له أحاديثه ، هذا في الزمن الماضي .

أما في الزمن الحاضر ، فلربما أفتى الشيخ فتوى غير منضبطة بسبب ما حصل له من الاختلال في حفظه وما إلى ذلك ، فينبغي أيضاً أن يُمسك عن الفتوى وعن التعليم الذي يكون من جرائه تعليم الناس أموراً خاطئة .

أحياناً نجد بعض المحدثين لا ينتبه هو بنفسه إلى الاختلاط ، ففي هذه الحالة يجب على من كان ولياً له من أولاده أو أخ له أو غير ذلك أن يمنعوا الناس من السماع له في هذه الحال ؛ لتسلم له أحاديثه التي رواها سابقاً ، فتكون صحيحة .

قال – أي الحافظ ابن حجر – : ( وإذا اتخذ مجلس الإملاء ، أن يكون له مستملي يقظ ) .

فإذا كانت الحلقة طويلة ، وصوت الشيخ يصل إلى بعد عشرة أمتار  وما بعد العشرة يضعف الصوت ، فيكون هناك بعد عشرة أمتار واحد يُقال له المستملي ، ويُفضَّل أن يكون جهوري الصوت ، فيسمع الحديث من الشيخ ، ويرفع به صوته ؛ ليسمعه من بعده .

وربما احتاج المجلس إلى عدة مستملين ، فينقل بعضهم عن بعض ، فقد كانت بعض المجالس – وأظنه يزيد بن هارون – كان يحضر فيه مائة ألف ، فمثل هذا يحتاج إلى عدد من المستملين ، لأنهم لم تكن في أوقاتهم مكبرات الصوت .

فإذا اتخذ الشيخ مستملياً ، فلابد أن يكون هذا المستملي يقظاً عارفاً فاهماً ، قالوا : ولا يكون كمستملي يزيد بن هارون ، قالوا : لأنه حينما سُئل مرة عن حديث من الأحاديث ، قال : هذا الحديث حدثنا به عدَّة ، والمستملي يسمع ، فقال : يا أبا سعيد ! عدة بن من ؟ يظن أنه راوٍ واسمه عدة ، بينما المقصود عدة من الرواة ؛ لذا قالوا : لا ينبغي أن يكون المستملي مثل مستملي يزيد بن هارون .

من الآداب كذلك التي ينبغي أن يتفرَّد بها الطالب عن الشيخ كما قال الحافظ :

( وينفرد الطالب بأن يوقِّر الشيخ ولا يُضجره ) .

ونحن نعرف أن الشيوخ بشر لهم نفوس تمل ، وأيضاً لا يتقبَّل الواحد منهم الإهانة أو الإعراض بالقول أو ما إلى ذلك .

فينبغي لطالب العلم أن يُراعي تلك الأمور ، فمثلاً إذا وجد أن شيخه قد طال به المجلس ، وربما كان مشغولاً ، أو كان له حاجة يقضيها أو ما إلى ذلك ، فلا ينبغي له أن يُلِّح في هذه الأثناء ، بل يدع المسألة أو يدع الاستفتاء في وقت آخر ، خشية أن يُضجر الشيخ ، فيَملَّه الشيخ ، ويكرهه ويكره مجالسته ، ويكره مجالسة الطلبة .

وهذه المجالس كذلك أيضاً ينبغي أن يُوقَّر الشيخ فيها وأن يُحترم ، لكن في حدود السنة ، لأننا نعرف أن هذه المسألة بُلغ فيها عند طوائف من الناس كالصوفية ، فنحن نرفض هذا وذاك ، فالتوقير للمشايخ ينبغي أن يكون في حدود المعقول ، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يوقرون النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بل أقلّ ، لأن توقير النبي صلى الله عليه وسلم فيه مقدار زائد في بعض الأحيان ، كذلك أيضاً مثل ما كان العلماء يوقرون شيوخهم .

فمثلاً نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جالساً في أصحابه لا يكون له فضل عليهم ، حتى إنّ الداخل لا يعرف مَنْ هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن يعرفه سابقاً ؛ فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم يوقرون النبي صلى الله عليه وسلم ويُعظمونه تعظيماً زائداً ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهاهم عن ذلك ، ويقول : ” لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم ” ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو . فالمقصود هنا أن يكون التوقير والاحترام في حدود المعقول .

قال أيضاً : من الآداب ( ويرشد غيره إلى ما سمعه ) أي : من أقرانه وزملائه ولا ينبغي أن يكون الحسد جارياً بينهم ؛ لأن هذا من أسباب حرمان العلم ، ومن أسباب محق بركة العلم ، فالطلاب الذين لا ينفع بعضهم بعضاً هم ممحوقواالبركة ؛ فينبغي للطالب أن ينفع زملائه وأقرانه بألَّا يبخل عليهم بشيء ، مثل أن يكون أحدهم يتابع الشيخ ، ويكتب لكنه فاتته لفظة ، أو لم يسمعها جيداً فيلتفت إلى زميله ، ويقول : هذه اللفظة صوابها كذا ، أو يستفسر عنها إذا كان ذاك حُجِب عن الكتاب ، ولم يسمح له بالمطالعة ، فهنا يعتبر من الامتناع عن الإفادة .

وأيضاً ( لا يدع الاستفادة لحياءٍ أو تكبُّر ) ، فأحياناً يكون بعض الناس يكون عنده سؤال ، فلا يسأل ، أو أشكل عليه الأمر ، فلا يسأل ، أو أملى الشيخ كلاماً ، فنجده لا يسأل ، بل تجده كتب على التوهم أو ما إلى ذلك ،[3] وربما حُرم كثيراً من العلم بسبب الحياء أو بسبب التكبر ، وكلاهما خلقان ذميمان .

ولا يُعتبر الحياء في هذه الحال محموداً ، وقد علق البخاري في صحيحه عن مجاهد مجزوماً به ، وسنده صحيح إلى مجاهد ، وجاء عند غير البخاري ، أنه قال : ” لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر ” ، وقد امتدحت عائشة رضي الله عنها نساء الأنصار بأنهن لم يكن يمنعهن الحياء من التفقه في دين الله جل وعلا .

وقد جاءت أم سليم رضي الله عنها وسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة إذا احتلمت ، وقالت : ” إن الحياء لا ينبغي أن يكون في هذه الحال ” أو كما قالت رضي الله عنها ، فأرشدها أن المرأة عليها الغسل إذا رأته (1) ، وهذا حديث متفق على صحته .

قال : ( ويكتب ما سمعه تاماً ، ويعتني بالتقييد والضبط ) كل هذه من الآداب التي ذكرها من أجل ضبط الكتاب وضبط الحفظ ، فينبغي إذا سمع شيئاً أن يكتبه تاماً بحيث لا يعتمد على كثرة أطراف الحديث ، بل ينبغي أن يكتبه تاماً ، ولا بأس بعد ذلك إذا ما حفظه أن يتخذ لنفسه كتاباً للأطراف ؛ لأن الأطراف دائماً تستخدم للاستذكار ، لكونها أخف .

قوله ( ويعتني بالتقييد والضبط ) أي تقييد الحديث تقيداً جيداً ، وضبطه أيضاً ضبطاً يبعد عن الإشكال ، لأن الإشكال قد يقع أحياناً بسبب قلة الضبط  ، فلربما كانت مثلاً الكلمة حمالة أوجه بسبب ضبط يسير ،فإذا ضبطها على وجه أصبح معناها كذا ، وإذا ضبطها على وجه آخر أصبح معناها مُغايراً لذلك المعنى ، فعليه أن يعنى في هذه الحالة بضبط الألفاظ ضبطاً جيداً ، وإن ضبط الجميع فهذا أحسن وأولى .

ومن الآداب أيضاً التي ينبغي أن يُراعيها كما قال : ( ويُذاكِر بمحفوظة ليرسخ في ذهنه ) أي : من الأحاديث ، أمَّا المذاكرة فتكون مع أقرانه وزملائه ؛ لأن هذا مدعاة للحفظ والاستذكار وترسيخ الحفظ في الذهن .

تنبيه :

لم يذكر الحافظ هنا مسألة العمل بالحديث ، وهي من الأمور التي نصوا عليها في آداب طالب الحديث ، قالوا : ينبغي أن يعمل بالحديث الذي سمعه ، فإذا عرف مثلاً أن في صحيح البخاري حديث : ” كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ” ، فمن دواعي حفظ هذا الحديث العمل به ، فإذا كان يقول : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ، فلا شك أنه سيستحضر هذا الحديث الذي رواه البخاري .

 

** شرح نخبة الفكر : الشيخ سعد الحميد ( 214 – 225 ) .

 

(1)– قال سفيان الثوري– رحمه الله – : ” ما أعلم عملاً أفضل من طلب الحديث لمن أراد الله به عز وجل ” . وقال الشافعي – رحمه الله – : ” إذا رأيت أصحاب الحديث فكأني رأيت رسول الله[1]صلى الله عليه وسلم ، حفظوا لنا الأصل فلهم منا الفضل ” .

(1) – شرح نخبة الفكر : الشيخ سعد الحميد ( 5 – 6 ) .

(1) –  رواه البخاري ومسلم ، وقول أم سليم – رضي الله عنها – قبل سؤالها ، هو : ” يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق .. ” الحديث .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.