فضل أهل الحديث

الخميس
فبراير 2020

قال ابن مفلح المقدسي – رحمه الله – : ( ونصَّ أحمد – رضي الله عنه – على أنَّ أصحاب الحديث هم الطائفة في قوله عليه الصلاة والسلام : ” لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ” ، ونصَّ أيضاً على أنهم الفرقة الناجية في الحديث الآخر ، وكذا قال يزيد بن هارون .

ونصَّ أحمد – رضي الله عنه – على أنَّ لله تعالى أبدالاً في الأرض ، قيل : من هم ؟ قال : إنْ لم يكونوا أصحاب الحديث ، فلا أعرفُ لله أبدالاً .

وقال أيضاً عنهم : إنْ لم يكونوا هؤلاء الناس فلا أدري مَنِ الناس ؟

ونقل نعيم بن طريف عنه أنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا يزالُ الله تعالى يغرسُ غرساً يشغلهم في طاعته ” . أنه قال : هم أصحاب الحديث .

وروى أحمد بإسناده عن أبي عتبه الخولاني : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزالُ الله عز وجل يغرس في هذا الدين غَرْساً يستعملهم في طاعته ” . قال أحمد في تفسير هذا الحديث هم أصحاب الحديث .

وروى البوطي عن الشافعي – رحمه الله – أنه قال : عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثرُ الناس صواباً .

وقال الإمام أحمد – رضي الله عنه – : من أراد الحديث خَدَمه .

قال الحافظ البيهقي : قد خدمه أبو عبد الله أحمد بن حنبل فرحل فيه وحفظه ، وعمل به وعلَّمه وحمل شدائده . وهو كما قال البيهقي – رحمه الله – .

وقال الشافعي – رضي الله عنه – :من قرأ القرآن عَظُمَتْ قيمتهُ ، ومن تَفَقَّهَ نَبُلَ قَدْرُهُ ، ومَنْ كَتب الحديث قَويت حجّته ، ومن تعلَّم اللغة رَقَّ طبعه ، ومن تعلَّم الحساب جزل رأيه ، ومَنْ لم يَصُنْ نفسه لم ينفعه علمه .

وقال سفيان الثوري – رحمه الله – : لا أعلم عملاً أفضل من طلب الحديث لمن أراد الله به .

وقال ابن هانئ : ليس قوم عندي خيراً من أهل الحديث ليس يعرفون إلا الحديث . وقال في رواية أبي الحارث : أهل الحديث أفضل مَنْ تكلَّم في العلم .

وقال عبد الملك بن مروان للشعبي : يا شعبي ، عهدي بك وإنك غلامٌ في الكُتَّاب ، فَحَدِّثْني فما بقيَ معي شيءٌ إلا وقَدْ مَللْتُهُ سوى الحديث الحسن ، وأنشد :

ومَلِلْتُ إلا من لقاء مُحَدِّثٍ .. حَسَنِ الحديث يَزيدُني تعليما .

وقال القاضي المعافى بن زكريا الجريري لتفقهه على مذهب محمد بن جرير الطبري . قال : هذا نظير قول ابن الرومي :

ولقد سئمتُ مآربي .. وكان أطيَبَها الحديثُ .

إلا الحديثَ فإنَّهُ .. مِثْلُ اسمِهِ أبداً حديثُ !

وقال ابن الجوزي : ( قد كانت الهمم في طلب العلم كما قد ذكرنا ، ثم ما زالت تقلّ الرغبات حتى اضمحلَّت ، فحكى شيخنا أبو جعفر عمر بن ظفر المغازلي قال : كنا في حلقة ابن يوسف نسمع الحديث ، فطلبنا محبرة نكتب بها السماع فما وجدنا ! قال : وقد كان الخلفاء والكبراء يغبطون المُحدِّثين على هذه الرِّتبة . ثم روى بإسناده عن محمد بن سلام الجمحي أنه قال : قيل للمنصور : هل بقي من ملذَّاتِ الدنيا شيءٌ لم تنله ؟ قال : بقيت خصلةٌ : أنْ أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث ، فيقول المستملي : مَنْ ذَكَرتَ رحمك الله ، قال فغدا عليه النُّدماء وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر ، فقال : لستم بهم ، إنَّما هم الدَّنسةُ ثيابهم ، المتشققةُ أرجُلهم ، الطويلةُ شعورهم ، بُرُدُ الآفاق ، ونَقَلَُ الحديث .

وقال يحيى بن أكثم : قال لي الرشيد : ما أنبل المراتب ؟ قلتُ : ما أنت فيه يا أمير المؤمنين ، قال : فتعرفُ أجَلَّ منِّي ؟ قلت : لا . قال : لكني أعرفه ، رجلٌ في حلقه يقول : حدَّثنا فلان عن فلان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلتُ : يا أمير المؤمنين : هذا خيرٌ منك وأنتَ ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليّ عهد المسلمين ؟! قال : نعم ، ويلك هذا خيرٌ منِّي ، لأنَّ اسمه مقترنٌ باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت أبداً ، ونحن نموت ونفنى ، والعلماء باقون ما بقي الدهر .

وقال المأمون : ما طَلَبَتْ مني نفسي شيئاً إلا وقد نالته ما خلا هذا الحديث ! فإني كنت أُحِبُّ أنْ أقعد على كرسي ويُقال لي : مَنْ حدَّثك ! فأقول : حدَّثني فلان ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، فَلِمَ لا تُحدِّث ؟ قال : لا يصلحُ المُلْكُ والخلافة مع الحديث .

وقال يحيى بن أكثم : وليتُ القضاء وقضاء القضاء والوزارة وكذا وكذا ، ما سررتُ لشيءٍ كسروري بقول المستملي : مَنْ ذَكَرْتَ رضي الله عنك ؟!

_ الآداب الشرعية : للإمام الفقيه المحدث ابن مفلح المقدسي . ( 1 / 278 وما بعدها ) ( 2 / 245 وما بعدها ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.