تقديم الركبتان عند السجود

الجمعة
نوفمبر 2019

عن وائل بن حجر – رضي الله عنه – قال : ” رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ” رواه الأربعة .

هذا حديث صحيح وممن صححه الترمذي والطحاوي والخطابي والبغوي وابن القيم وغيرهم .

وهو يبين حكم مسألة اختلف فيها العلماء اختلافاً كثيراً ، وهي مسألة صفة الهوي في السجود ، وقد اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال أصحها قول من قال : أن المصلي يهوي إلى السجود بتقديم الركبتين ثم اليدين ، وقد عزاه ابن المنذر إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وإلى إبراهيم النخعي ، ومسلم بن يسار ، وسفيان الثوري ، وإلى الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، واستدلوا بحديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – الذي ذكرناه . وهو قول أكثر أهل العلم ، وقد اختاره جمع من أهل العلم منهم ابن المنذر ، والخطابي ، وابن القيم ، والشيخ ابن باز ، فإنه لما سئل قال : ( السنة للمصلي إذا هوى للسجود أن يضع ركبتيه قبل يديه إذا استطاع ذلك في أصح قولي العلماء ، وهو قول الجمهور ، لحديث وائل بن حجر –ر ضي الله عنه – وما جاء في معناه من الأحاديث .

أما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يعني : حديثه : ” إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه ” – فهو في الحقيقة لا يخالف ذلك بل يوافقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى فيه المصلي عن بروك كبروك البعير ، ومعلوم أن من قدَّم يديه فقد شابه البعير .

أما قوله في آخره : ” وليضع يديه قبل ركبتيه ” فالأقرب أن ذلك انقلاب وقع في الحديث على بعض الرواة ، وصوابه : ” وليضع ركبتيه قبل يديه ” وبذلك تجتمع الأحاديث ويوافق آخر الحديث المذكور أوله ، ويزول عنها التعارض ، وقد نبَّه على هذا المعنى العلامة ابن القيم – رحمه الله –في كتابه : زاد المعاد ) .

مع أنَّ حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – الذي استدل به أصحاب القول الثاني الذين قالوا يقدم يديه قبل ركبتيه وهم مالك والأوزاعي ورواية عن أحمد ، الذي قال فيه : ” إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه ” ضعفه الأئمة الكبار أمثال : البخاري والترمذي والدار قطني والبيهقي .

أما القول الثالث فضعفه ظاهر ، وهو مروي عن مالك كما ذكر النووي ، قال : المصلي مخيَّر في تقديم أيهما شاء .

فالصحيح هو القول الأول وهو أرفق بالمصلي ، وأقرب إلى الوضع المناسب للبدن ، فإن أول ما يلي الأرض منه ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه ، والنهوض بعكس ذلك ، قال الخطابي : ( هذا أرفق بالمصلي وأحسن في الشكل ، وفي رأي العين ) ، ومن المقرر أن أفعال الصلاة وهيئاتها لا تخالف الجبلة ولا طبيعة البدن .

ثم إن هذا هو الموافق للمنقول عن الصحابة – رضي الله عنهم – كعمر بن الخطاب وابنه وعبد الله بن مسعود ، وكذا جماعة من التابعين ، كما تقدم فيما نقله ابن المنذر ، وقد روى ابن أبي شيبة شيئاً من ذلك ، وأكثرها بأسانيد صحيحة .

واعلم أن هذا الخلاف في الأفضل وإلا فكلا الصفتان جائزة ، وإنما الخلاف في الأفضل لمن قدر على تقديم الركبتين ، فإن عجز لكبر أو مرض قدَّم ما هو أهون عليه ، والله أعلم ( 1 ) .

 

( 1 ) – انظر : منحة العلام في شرح بلوغ المرام ؛ عبد الله صالح الفوزان ( 3 / 140 وما بعدها ) ؛ والإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز ؛ سعد البريك ( 1 / 272 ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.