حتى لا يهلك المجتمع

السبت
نوفمبر 2019

عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ” مثل القائم في حدود الله والواقع فيها ، كمثلِ قومٍ استهموا على سفينةٍ فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا ، فإنْ تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإنْ أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ” رواه البخاري .

يقول الشيخ ابن باز – رحمه الله – : ( في حديث النعمان بن بشير الأنصاري أيضاً رضي الله عنه وعن أبيه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه : ” مثل القائم في حدود الله والواقع فيها ” ؛ يعني : على محارمه قال تعالى : { تلك حدود الله فلا تقربوها } يعني محارمه التي حرمها على عباده ويطلق في الحدود على الفرائض { تلك حدود الله فلا تعتدوها } والمراد هنا المحارم المعاصي ؛ ولهذا قال عز وجل : { تلك حدود الله فلا تقربوها } ؛ يعني : محارمه التي حرمها عليكم لا تقربوها .

مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم للقائم عليها والمحافظين عليها والمحذر منها والذين يقعون فيها ، ضرب لهم النبي مثلاً عظيماً وهو أصحاب سفينة قد اقترعوا عليها وهناك طابقان فأصاب بعضهم أسفلها وبعضهم أعلاها ، جماعة مرتحلين في البحر فاقترعوا على سفينة منهم من يكون في الأعلى ومنهم من يكون في الأسفل فصارت القرعة لقوم على أنهم في الأسفل ، الطابق الأسفل وقوم صاروا في الطابق الأعلى فصار الذين في الأسفل إذا أرادوا أن يستقوا الماء مرُّوا على من فوقهم صعدوا إلى من فوقهم حتى يدلوا دلاءهم ليأخذوا الماء فقالوا : ” لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ” واستقينا مِن أسفل ولم نؤذِ مَن فوقنا ، قال عليه الصلاة والسلام : ” فإنْ تركوهم وما أرادوا ” يعني : أن تركوهم يخرقون السفينة ” هلكوا جميعاً ” ؛ يعني : يدخل الماء عليهم فتثقُل السفينة فتغرق ” وإنْ أخذوا على أيديهم ” منعوهم من خرق السفينة ” نجوا ونجوا جميعاً ” .

هكذا الناس في هذه الدنيا ، إذا تركوا العابثين والعُصاة يعبثون ويعملون ما يشتهون من المنكرات ولم ينكروا عليهم هلكوا جميعاً ، وإنْ أخذوا على أيديهم وأقاموا عليهم حدود الله ، ومنعوهم مِن محارم الله نجوا جميعاً ، فالناس في هذه الدنيا مثل أصحاب السفينة إذا تساهلوا الولاة والأعيان والكُبراء والعلماء تساهلوا في هذه الأمور حتى ظهرت المنكرات وعمَّت المعاصي هلك الناس جميعاً وعمَّت العقوبات ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ” إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيِّروه أوشك أنْ يَعُمَّهم الله بعقابه ” والله يقول سبحانه : { واتَّقوا فتنةً لا تُصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصةً } بل تعمّ الجميع ، فالسَّاكت شريك المسيء إذا لم ينهه شارك في البلاء يقول عليه الصلاة والسلام : ” يغزو جيشٌ الكعبة ” في آخر الزمان ” فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسفُ بأولهم وآخرهم ” قالت عائشة : يا رسول الله كيف يُخسفُ بأولهم وآخرهم ، وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟ قال : ” يُخسفُ بأولهم وآخرهم ، ثم يُبعثون على نِيَّاتهم ” لأن الجيوش إذا جاءت الطرقات جاءهم الناس هذا يبيع كذا وهذا يبيع عليهم كذا وهذا كذا في الأسواق ليسوا بقصدهم قال عليه الصلاة والسلام : ” يُخسفُ بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم ” .

هذا يدل على أنَّ ظهور الفساد في الأرض وانتشار الفساد في الأرض من أسباب حلول العقوبات : ” إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيِّروه أوشك أنْ يَعمَّهم الله بعقابه ” وقال عز وجل : { لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } لُعِنوا لهذا ، نسأل الله العافية ) . ( 1 ) .

إنَّ ما نراه اليوم من إعلانٍ للمنكرات يندى له الجبين ، ولا يرضه المؤمنين ! منكراتٍ جِهاراً ، ليلاً ونهاراً !! وهي والله مِمَّا يغضب الله .. فيا أيها المسلمون ! ابتعدوا عن كل ما يغضب الله ، حتى تسلموا من عقابه العاجل والآجل ، وإنَّ ما حصل والله في حفر الباطن قبل أيام من عواصف ورياح وأمطار وتلفيَّات إنذار من الله . فاتقوا الله عباد الله لعل الله أن يرضى ، لعل الله أن لا يعاقبنا .. اللهم هل بلَّغت .. اللهم فاشهد ..

 

( 1 ) – شرح رياض الصالحين ؛ للشيخ ابن باز ( 1 /393 – 395 ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.