لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا

الأربعاء
يوليو 2019

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره . التقوى هَهُنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرِئٍ من الشَّر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ” . رواه مسلم .

الحديث ذو أهمية عظيمة ، وفيه فوائد جسيمة ، أمر بالأخوة ووضع بعض أسسها ، وحذَّر مما يقضي عليها من حسد وخداع وتباغض وتدابر واحتقار الآخرين وغيرها من الآفات التي تقضي على الأخوة والمحبة .

قال : ” لا تحاسدوا ” ؛ الحسد تمني زوال النعمة عن الغير ! مثل أن يرى الرجل لأخيه نعمة أو فضل سواء كانت النعمة مالاً أو جاهاً أو علماً أو غير ذلك ، فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دون أخيه .

والحسد حرام ، وفيه اعتراض على الله عز وجل ، يقول الشاعر :

ألا قل لمن كان لي حاسدا .. أتدري على من أسأت الأدب !

أسأت على الله سبحانه .. لأنك لم ترضى لي ما وهب .

فجزاك عني أنْ زادني .. وسدَّ عليك وجوه الطلب .

فالحسد صفة مذمومة تدل على دناءة صاحبها وخسته ! ولا ترد شيئاً وإنما تحرق صاحبها وتشغله !! وتجعله دائماً في هم وغم !! مع ما في الحسد من الأضرار حيث ذكر الأطباء أنه يسبب مرض القلب .. ولا يحسد من فيه خير ! بل الذي فيه خير يفرح إذا رأى النعمة لأخية !!

وقد ورد في فضل ترك الحسد حديث ، ففي الحديث : ” يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة ” قالها ثلاثاً وكل مرة يخرج رجلٌ تنطف لحيته من الوضوء ، فتبعه عبد الله بن عمرو فلم يرَ عنده كثير عمل ، فلما سأله قال : ما هو إلا ما رأيت ، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه . فقال عبد الله : هذه التي بلغت بك .

فترك الحسد من أسباب دخول الجنة .

الحسد المحمود :

أنْ يتمنى المسلم مثل ما منَّ الله به على أخيه من نعمة من غير تمني زوالها عنه ، وهذا يُعرف بالغبطة ، وهذا النوع من الحسد مشروع ، قال صلى الله عليه وسلم : ” لا حسد إلَّا في اثنتين : رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ، ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ” . فهذا النوع يؤجر فاعله لنيته الطيبة ، وهما في الأجر سواء .

قال : ” ولا تناجشوا ” ؛ والمناجشة في البيع ؛ أن يزيد في السلعة ولا يريد شراءها ، لكن يريد الإضرار بالمشتري أو نفع البائع ، أو الأمرين معاً .

مثال ذلك : عُرضت سلعة في السوق فسامها رجل بمائة ريال ، هذا الرجل السائم تعدى عليه رجل ٌآخر وقال : بمائة وعشرة قصده الإضرار بهذا السائم وزيادة الثمن عليه ، فهذا نجش .

ورجلٌ آخر رأى رجلاً يسوم سلعة وليس بينه وبين السائم شيء ، لكن السلعة لصديق له ، فأراد أن يزيد من أجل نفع صديقه البائع ، فهذا حرام ولا يجوز .

ورجلٌ ثالث أراد الإضرار بالمشتري ونفع البائع ، فهذا أيضاً حرام .

قال : ” ولا تباغضوا ” ؛ نُهينا أنْ نقع بأسباب البغضاء ، لأنه نقيض الحب الذي أمرنا الإسلام به . فالمعنى : لا تتعاطوا الأسباب التي تؤدي إلى البغضاء ، وإذا وقع في قلوبكم بغض لإخوانكم فاحرصوا على إزالته وقلعه من القلوب .

وقد حرَّم الإسلام كل ما يفضي إلى البغضاء كالغيبة والنميمة والظلم والغش ، لأن كل هذا يُعكِّر صفو الأخوة وينشر الشحناء والبغضاء بين المسلمين ، وأمر بكل ما يفضي إلى المحبة .

قال : ” ولا تدابروا ” ؛ التدابر هو الهجر والتقاطع ، وهو حرام وقد ورد فيه وعيد شديد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من هجر فوق ثلاثٍ فمات دخل النار ” ، وقال : ” لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام “.

أما الهجران من أجل الدِّين فيجوز أكثر من ثلاثة أيام ، فقد هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع العمري عندما تخلفوا عن غزوة تبوك خمسون يوماً . وهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً ، وهجر ابن عمر – رضي الله عنهما – ابنه ، فما كلمه حتى مات لأنه اعترض على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجوز هجر الوالد لولده ، والزوج لزوجته ، وغيرهم تأديباً إذا وقعوا في معصية ، ولو كثرت المدة .

قال : “ولا يبع بعضكم على بيع بعض ” ؛ ومعناه أن يقول للمشتري أبيعك السلعة نفسها بسعر أقل . والنهي للتحريم والحكمة في التحريم لوجود الإضرار والإيذاء ، ولما يؤدي ذلك لنشر البغضاء والشحناء بين المسلمين .

قال : ” وكونوا عباد الله إخواناً ” ؛ أي صيروا مثل الإخوان ، ومعلوم أن الإخوان يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه .

قال : ” المسلم أخو المسلم : لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره ” ؛ يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهم حقوق أخوة الإسلام :

1 – يحرم على المسلم أن يظلم أخاه بأي نوع من الظلم سواء بيده أو ماله أو عرضه وهكذا ..

2 – يحرم على المسلم أن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ” قالوا يا رسول الله ننصره إذا كان مظلوماً ، فكيف ننصره إذا كان ظالماً ؟ قال : ” تمنعه من الظلم ” .

3 – الصدق مع المسلم في الحديث ، فلا يحل لأحد أن يحدث أخاه حديثاً وهو يكذب فيه .

4 – لا يحل للمسلم أن يحقر أخاه فيقلل من شأنه لأن المسلم له قيمة عند الله مهما كان أصله أو وضعه المادي ، وربما يكون عند الله خيرٌ منه ، واحتقار المسلم ذنب عظيم ، قال صلى الله عليه وسلم :” بحسب امرئ من الشَّر أن يحقر أخاه المسلم ” ؛ أي يكفيه من الشَّر أن يحقره فإنه شرٌّ عظيم .

قال : ” كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ” ؛ فيجب احترام المسلم في هذه الأمور الثلاثة . ( 1 ) .

 

( 1 ) – انظر : شرح الأربعين النووية ؛ ابن عثيمين ( ص : 368 وما بعدها ) ؛ وقواعد وفوائد من الأربعين النووية ؛ ناظم سلطان ( ص : 296 وما بعدها ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.